{ وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السمآء والأرض } أى : وما من شىء غائب عن علم الخلق سواء أكان فى السماء أو فى الأرض .
{ إِلاَّ } وهو عندنا { فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ } أى : إلا وهو عندنا فى كتاب واضح لمن يطالعه بإذن ربه ، وهذا الكتاب المبين هو اللوح المحفوظ الذى سجل - سبحانه - فيه أحوال خلقه .
وما دام الأمر كذلك ، فلا تحزن - أيها الرسول الكريم - لما عليه هؤلاء المشركون من جحود وعناد ، بل فوض إلينا أمرنا ، فأنت عليك البلاغ ، ونحن علينا الحساب .
ويختم هذه الجولة بتقرير علم الله الشامل الكامل ، الذي لا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض :
و ما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين . .
ويجول الفكر والخيال في السماء والأرض ، وراء كل غائبة . من شيء ، ومن سر ، ومن قوة ، ومن خبر ، وهي مقيدة بعلم الله ، لا تند منها شاردة ، ولا تغيب منها غائبة . والتركيز في السورة كلها على العلم . والإشارات إليه كثيرة ، وهذه واحدة منها تختم بها هذه الجولة .
ثم أخبر تعالى بأنه عالم غيب السموات والأرض ، وأنه عالم الغيب والشهادة - وهو ما غاب عن العباد وما شاهدوه - فقال : { وَمَا مِنْ غَائِبَةٍ فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ } قال ابن عباس : يعني : وما من شيء ، { فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِلا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ } وهذا كقوله تعالى : { أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ } [ الحج : 70 ] .
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَا مِنْ غَآئِبَةٍ فِي السّمَآءِ وَالأرْضِ إِلاّ فِي كِتَابٍ مّبِينٍ * إِنّ هََذَا الْقُرْآنَ يَقُصّ عَلَىَ بَنِيَ إِسْرَائِيلَ أَكْثَرَ الّذِي هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ } .
يقول تعالى ذكره : وَمَا مِنْ مكتوم سرّ وخفيّ أمر يغيب عن أبصار الناظرين فِي السَمَاءِ وَالأرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ وهو أمّ الكتاب الذي أثبت ربنا فيه كلّ ما هو كائن من لدن ابتدأ خلق خلقه إلى يوم القيامة . ويعني بقوله : مُبِينٌ أنه يبين لمن نظر إليه ، وقرأ ما فيه مما أثبت فيه ربنا جلّ ثناؤه . وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : وَما مِنْ غائِبَةٍ فِي السّماءِ والأرْضِ إلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ يقول : ما من شيء في السماء والأرض سرّ ولا علانية إلا يعلمه .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره:"وَمَا مِنْ" مكتوم سرّ وخفيّ أمر يغيب عن أبصار الناظرين "فِي السَمَاءِ وَالأرْضِ إلاّ فِي كِتَابٍ "وهو أمّ الكتاب الذي أثبت ربنا فيه كلّ ما هو كائن من لدن ابتدأ خلق خلقه إلى يوم القيامة. ويعني بقوله: "مُبِينٌ" أنه يبين لمن نظر إليه، وقرأ ما فيه مما أثبت فيه ربنا جلّ ثناؤه.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وما من غائبة في السماء} مما كان، ويكون أبد الآبدين إلا كان مبينا {في كتاب مبين} يخبر أنه كان، ولم يزل عالما بما كان منهم ويكون أبد الآبدين، وأنه عن علم بأفعالهم وصنيعهم؛ خلقهم وأنشأهم، لا عن جهل وغفلة.
والثاني: {وما من غائبة في السماء والأرض} أي من غائبة عن الخلق: ما يغيب بعضهم من بعض، ويسر بعضهم من بعض إلا كان ذلك {في كتاب مبين} إلا كان ذلك عند الله محفوظا مرقوبا.
ينبههم ليكونوا على حذر يقول: إن ما يغيب بعضهم على بعض فإنه عند الله محفوظ رقيب، لا يغيب عنه شيء، كقوله: {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} [ق: 18]
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
سمي الشيء الذي يغيب ويخفى: غائبة وخافية، فكانت التاء فيهما بمنزلتها في العافية والعاقبة. ونظائرهما: النطيحة، والرمية، والذبيحة: في أنها أسماء غير صفات. ويجوز أن يكونا صفتين وتاؤهما للمبالغة، كالراوية في قولهم: ويل للشاعر من راوية السوء، كأنه قال: وما من شيء شديد الغيبوبة والخفاء إلا وقد علمه الله وأحاط به وأثبته في اللوح. المبين: الظاهر البين لمن ينظر فيه من الملائكة.
الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ :
ما من خصلة غائبة عن الخلق إلا والله عالم بها قد أثبتها في أم الكتاب عنده، فكيف يخفى عليه ما يسر هؤلاء وما يعلنونه. وقيل: أي كل شيء هو مثبت في أم الكتاب يخرجه للأجل المؤجل له، فالذي يستعجلونه من العذاب له أجل مضروب لا يتأخر عنه ولا يتقدم عليه.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان ثبات علة الناس في الغالب مقيداً بالكتاب، قال تقريباً لأفهامهم: {وما من غائبة} أي من هنة من الهنات في غاية الغيبوبة {في السماء والأرض} أي في أي موضع كان منهما، وأفردهما دلالة على إرادة الجنس الشامل لكل فرد {إلا في كتاب} كتبه قبل إيجادها لأنه لا يكون شيء إلا بعلمه وتقديره {مبين} لا يخفى شيء فيه على من تعرف ذلك منه كيفما كان.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويختم هذه الجولة بتقرير علم الله الشامل الكامل، الذي لا تخفى عليه خافية في السماء ولا في الأرض:
و ما من غائبة في السماء والأرض إلا في كتاب مبين..
ويجول الفكر والخيال في السماء والأرض، وراء كل غائبة. من شيء، ومن سر، ومن قوة، ومن خبر، وهي مقيدة بعلم الله، لا تند منها شاردة، ولا تغيب منها غائبة. والتركيز في السورة كلها على العلم. والإشارات إليه كثيرة، وهذه واحدة منها تختم بها هذه الجولة.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والمبين: المفصل، لأن الشيء المفصل يكون بيّناً واضحاً. والمعنى: أن الله لا يعزب عن علمه حقيقة شيء مما خفي على العالمين. وذلك يقتضي أن كل ما يتلقاه الرسل من جانب الله تعالى فهو حق لا يحتمل أن يكون الأمر بخلافه. ومن ذلك ما كان الحديث فيه من أمر البعث الذي أنكروه وكذبوا بما جاء فيه.
المعنى... أن الله تعالى يحيط علمه أزلا بكل شيء، مهما كان صغيرا لا يعتد به، واقرأ قوله تعالى: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين 59} (الأنعام).
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
يضيف القرآن قائلا: إنّه ليس علم الله منحصراً بما تكن القلوب وما تعلن، بل علمه واسع مطلق! (وما من غائبة في السماء والأرض إلاّ في كتاب مبين). وواضح أن «الغائبة» لها معنى واسع، فهي تحمل في مفهومها كلّ ما خفي عن حسّنا وغاب. وتشمل أعمال العباد الخفية والنيات الباطنية، وأسرار السماوات والأرض وقيام الناس للحساب يوم القيامة، وزمان نزول العذاب، وأمثال ذلك.