( قل : إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا ) . . يؤمر الرسول [ صلى الله عليه وسلم ] أن يتجرد ، ويؤمر أن ينفض يديه من كل ادعاء لشيء هو من خصائص الله الواحد الذي يعبده ولا يشرك به أحدا . فهو وحده الذي يملك الضر ويملك الخير . ويجعل مقابل الضر الرشد ، وهو الهداية ، كما جاء التعبير في مقالة الجن من قبل : ( وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا ) . . فيتطابق القولان في اتجاههما وفي ألفاظهما تقريبا ، وهو تطابق مقصود في القصة والتعقيب عليها ، كما يكثر هذا في الأسلوب القرآني . .
وبهذا وذلك يتجرد الجن - وهو موضع الشبهة في المقدرة على النفع والضر - ويتجرد النبي [ صلى الله عليه وسلم ] وتتفرد الذات الإلهية بهذا الأمر . ويستقيم التصور الإيماني على هذا التجرد الكامل الصريح الواضح .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{قل} لهم يا محمد {إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا} يقول: لا أقدر على أن أدفع عنكم ضرا ولا أسوق إليكم رشدا، والله يملك ذلك كله.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قل يا محمد لمشركي العرب الذين ردّوا عليك ما جئتهم به من النصيحة: إني لا أملك لكم ضرّا في دينكم ولا في دنياكم، ولا رشدا أرشدكم، لأن الذي يملك ذلك، الله الذي له مُلك كلّ شيء.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي ضرا في الدين ورشدا في الدين. والضر قد يكون في الدين وفي المال والنفس، ولكنه لمّا ذكر قوله: {رشدا} والرشد يتكلم به في الدين، علم أن قوله: {ضرا} راجع إليه أيضا؛ فكأنه يقول: لا أملك إضلالكم ولا رشدكم، إنما ذلك إلى الله تعالى: {يضل من يشاء ويهدي من يشاء}.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والمعنى: لا أستطيع أن أضركم وأن أنفعكم، إنما الضارّ والنافع الله.
أو لا أستطيع أن أقسركم على الغيّ والرشد، إنما القادر على ذلك الله عز وجل.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
ثم أمر تعالى محمداً نبيه عليه السلام بالتبري من القدرة وأنه لا يملك لأحد {ضراً ولا رشداً}، بل الأمر كله لله.
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
وجعل الضر مقابلاً للرشد تعبيراً به عن الغي، إذ الغي ثمرته الضرر، يمكن أن يكون المعنى: ضراً ولا نفعاً ولا غياً ولا رشداً، فحذف من كل ما يدل عليه مقابله.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما كان السامع ربما قال: ما له هو لا يهلكهم أو يدعو ربه في دفع المتلبدين عليه عنه بالإهلاك أو التوبة والمتابعة، أمره بما يبين عظمة ربه وأنه لا يفعل إلا ما يريد بقوله مبيناً أنه يستحيل عليه الصلاة والسلام ما يستحيل على جميع الممكنات من أن يؤثر في شيء بنفسه أو يخالف ربه: {قل} أي لهؤلاء الذين خالفوك، وأكد فطماً لمن ربما اعتقد -لكثرة ما يرى من الكرامات- أنه مهما أراده فعله الله له: {إني لا أملك} أي الآن ولا بعد {لكم} بنفسي من غير إقدار الله لي لأنه لا مؤثر في شيء من الأشياء إلا الله سبحانه وتعالى.
ولما كان المقام لدفع شرهم عنه، قال: {ضراً} فأفهم ذلك ولا نفعاً ولا غياً {ولا رشداً} أي صواباً وسداداً.
ويجوز أن يكون تقديره: لا أملك ضراً لأني لا أملك لكم إضلالاً، ولا أملك لكم رشداً فلا أملك لكم نفعاً، فإنه لا نفع في غير الرشاد، ولا ضر في غير الضلال.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
يؤمر الرسول [صلى الله عليه وسلم] أن يتجرد، ويؤمر أن ينفض يديه من كل ادعاء لشيء هو من خصائص الله الواحد الذي يعبده ولا يشرك به أحدا. فهو وحده الذي يملك الضر ويملك الخير. ويجعل مقابل الضر الرشد، وهو الهداية، كما جاء التعبير في مقالة الجن من قبل: (وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا).. فيتطابق القولان في اتجاههما وفي ألفاظهما تقريبا، وهو تطابق مقصود في القصة والتعقيب عليها، كما يكثر هذا في الأسلوب القرآني..
وبهذا وذلك يتجرد الجن -وهو موضع الشبهة في المقدرة على النفع والضر- ويتجرد النبي [صلى الله عليه وسلم] وتتفرد الذات الإلهية بهذا الأمر. ويستقيم التصور الإيماني على هذا التجرد الكامل الصريح الواضح.
تفسير من و حي القرآن لحسين فضل الله 1431 هـ :
في ما يمكن أن يحصل لكم من ضررٍ أو نفع، لأنني بشرٌ مثلكم لا أملك أيّة قدرةٍ بعيداً عن قدرة البشر، فلا أتميز عنكم بشيء، فلست أتقدم إليكم من موقع القدرات الخارقة المعجزة التي تضغط عليكم بطريقةٍ غير عادية، وليس من شأن الأنبياء أن يكونوا كذلك، لأن مهمتهم لا تفرض عليهم هذا المستوى من القوة المادية الخارقة.