المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

41- يا أيها الذين آمنوا : اثنوا على الله بضروب الثناء وأكثروا من ذلك ، ونزّهوه عن كل ما لا يليق به أول النهار وآخره .

 
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي - البغوي [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

قوله تعالى : { وسبحوه } أي : صلوا له ، { بكرة } يعني : صلاة الصبح ، { وأصيلاً } يعني : صلاة العصر . وقال الكلبي : وأصيلاً صلاة الظهر والعصر والعشاءين . وقال مجاهد : يعني : قولوا سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فعبر بالتسبيح عن أخواته . وقيل : المراد من قوله : { ذكراً كثيراً } هذه الكلمات يقولها الطاهر والجنب والمحدث .

 
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي - ابن سعدي [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

{ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا } أي : أول النهار وآخره ، لفضلها ، وشرفها ، وسهولة العمل فيها .

 
التفسير الوسيط للقرآن الكريم لسيد طنطاوي - سيد طنطاوي [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

وقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } معطوف على { اذكروا } والتسبيح : التنزيه . مأخوذ من السبح ، وهو المر السريع فى الماء أو فى الهواء . فالسبح مسرع فى تنزيه الله وتبرئته من السوء . والبكرة : أول النهار . والأصيل : أخره .

أى : اكثروا - أيها المؤمنون - من ذكر الله - تعالى - فى كل أحوالكم ، ونزهوه - سبحانه - عن كل ما لا يليق به ، فى أول النهار وفى آخره .

وتخصيص الأمر بالتسبيح فى هذين الوقتين ، لبيان فضلهما ، ولمزيد الثواب فيهما ، وهذا لا يمنع أن التسبيح فى غير هذين الوقتين له ثوابه العظيم عند الله - تعالى - .

- وأيضا - خص - سبحانه - التسبيح بالذكر مع دخوله فى عموم الذكر ، للتنبيه على مزيد فضله وشرفه . .

قال صاحب الكشاف : والتسبيح من جملة الذكر . وإنما اختصه - تعالى - من بين أنواعه اختصاص جبريل وميكائيل من بين الملائكة ، ليبين فضله على سائر الأذكار ، لأنه معناه تنزيه ذاته عما لا يجوز عليه من الصفات والأفعال .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

36

ويربط القرآن بين هذا الذكر وبين الأوقات والأحوال التي يمر بها الإنسان ، لتكون الأوقات والأحوال مذكرة بذكر الله ومنبهة إلى الاتصال به حتى لا يغفل القلب ولا ينسى :

( وسبحوه بكرة وأصيلا ) . .

وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله ، مغير الأحوال ، ومبدل الظلال ؛ وهو باق لا يتغير ولا يتبدل ، ولا يحول ولا يزول . وكل شيء سواه يتغير ويتبدل ، ويدركه التحول والزوال

 
تفسير القرآن العظيم لابن كثير - ابن كثير [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

وقال : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا } فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته .

والأحاديث والآيات والآثار في الحث على ذكر الله كثيرة جدا ، وفي هذه الآية الكريمة الحث على الإكثار{[23616]} من ذلك .

وقد صنف الناس في الأذكار المتعلقة بآناء الليل والنهار كالنسائي والمعمري وغيرهما{[23617]} ، ومن أحسن الكتب المؤلفة في ذلك كتاب الأذكار للشيخ محيي الدين النووي ، رحمه الله تعالى{[23618]}

وقوله : { وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا } أي : عند الصباح والمساء ، كقوله : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ الروم : 17 ، 18 ] .


[23616]:- في أ: "الإكثرار".
[23617]:- في ت: "والمعمري والكلم الطيب لشيخ الإسلام وغيرهم".
[23618]:- وقد طبع كتاب الأذكار بتحقيق الشيخ عبد القادر الأرناؤوط في دار الهدى وعليه تخريج لابن علان اسمه: "الفتوحات الربانية" طبع في الهند. هذا وقد جاء في نسخة "ت" بعد هذه الفقرة ما يلي: "فذكر الله أصل موالاة الله، عز وجل، ورأسها. والغفلة أصل معاداته ورأسها، فإن العبد لا يزال يذكر ربه حتى يحبه فيواليه، ولا يزال يغفل عنه حتى يبغضه ويعاديه. قال الله تعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) وما استجلبت نعم الله تعالى واستدفعت نقمة بمثل ذكر الله، فالذكر جلاب النعم دفاع النقم. قال تعالى: (إن الله يدفع عن الذين آمنوا) وفي القراءة الأخرى: (يدافع عن الذين آمنوا) فدفعه ودفاعه عنهم بحسب قوة إيمانهم وكماله ومادة الإيمان وقوته بذكر الله، فمن كان أكمل إيمانا وأكثر ذكرا كان دفاع الله عنه، ودفعه أعظم. ومن نقص نقص ذكر بذكر ونسيان بنسيان، وقال تعالى: (وإذ تأذن ربكم لئن شكرتم لأزيدنكم) والذكر رأس الشكر، والشكر جلاب النعم، موجب للمزيد. قال بعض السلف: ما أقبح الغفلة عن ذكر من لا يغفل عن برك. ومجالس الذكر رياض الجنة كما روى ابن أبي الدنيا من حديث جابر، عن عبد الله قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: "يأيها الناس ارتعوا في رياض الجنة" قلنا يا رسول الله: وما رياض الجنة؟ قال: "مجالس الذكر"، ثم قال: "اغدوا وروحوا فاذكروا فمن كان يحب أن يعلم منزلته عند الله، فلينظر كيف منزلة الله عنده، فإن الله ينزل العبد منه حيث أنزله من نفسه". فمجالس الذكر مجالس الملائكة كما في الصحيحين عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن لله ملائكة فَضْلا عن كتاب الناس يطوفون في الطريق يلتمسون أهل الذكر، فإذا وجدوا قومًا يذكرون الله تنادوا هلم إلى حاجتكم، فتحف بأجنحتها إلى السماء الدنيا، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: ما يقول عبادي؟ قال: يقولون: يسبحونك ويكبرونك ويحمدونك ويمجدونك قال: وهل رأوني؟ قال: يقولون: لا والله يا ربنا ما رأوك، فيقول: كيف لو أنهم رأوني؟ قال: فيقولون: لو أنهم رأوك كانوا أشد عبادة وأشد تحميدا وتمجيدا، وأكثر تسبيحا، فيقول: ما يسألوني؟ فيقولون: يسألونك الجنة، فيقول: وهل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا ربنا ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد حرصا عليها، وأشد لها طلبا، وأعظم فيها رغبة، فيقول: مم يتعوذون؟ قال: فيقولون: من النار، فيقول: هل رأوها؟ فيقولون: لا والله يا ربنا ما رأوها، فيقول: كيف لو رأوها؟ فيقولون: لو رأوها كانوا أشد منها فرارا وأشد لها مخافة، فيقول: فأشهدكم أني قد غفرت لهم، فيقول ملك من الملائكة: إن فيهم فلانا ليس منهم، إنما جاء لحاجة. قال: هم القوم لا يشقى بهم جليسهم"، فهذا من بركتهم على نفوسهم وعلى جليسهم، فلهم نصيب من قوله: (وجعلني مباركا أينما كنت) [مريم: 31] وإن الله، عز وجل، ليباهى بالذاكرين الملائكة، كما روى مسلم في صحيحه عن أبي سعيد الخدري قال: خرج معاوية على حلقة في المسجد، فقال: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. قال: ما أجلسكم إلا ذلك؟ قالوا: والله ما أجلسنا إلا ذلك. قال: أما إني لم أسألكم تهمة لكم، وما كان أحد بمنزلتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم أقلعنه حديثا مني، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على حلقة من أصحابه. قالوا: جلسنا نذكر الله ونحمده على ما هدانا للإسلام، ومَنْ علينا بك. قال: "آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟" قالوا: آلله ما أجلسنا إلا ذلك؟ قال: "أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم، ولكن أتاني جبريل فأخبرني أن الله يباهي بكم الملائكة" فهذه المباهاة من الرب تبارك وتعالى، دليل على شرف الذكر عنده ومحبته له وأن له مزية على غيره من الأعمال.والذكر نوعان: أحدهما: ذكر أسماء الرب وصفاته والثناء عليه، وتنزيهه وتقديسه عما لا يليق به وهذا أيضا نوعان: أحدهما: إنشاء الثناء بها من الذاكر، وهذا النوع هو المذكور في الحديث نحو: سبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، وسبحان الله وبحمده، ولا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ونحو ذلك، فأفضل هذا النوع أجمعه للثناء وأعمه نحو: سبحان الله عدد خلقه، فهذا أفضل من مجرد سبحان الله، وقول: الحمد لله عدد ما خلق في السماء، وعدد ما خلق في الأرض، وعدد ما خلق بينهما، وعدد ما هو خالق، أفضل من مجرد قولك: الحمد لله، وهذا في حديث جويرية أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: "لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات لو وزنت بما قلت منذ اليوم، لوزنتهن: سبحان الله عدد خلقه، سبحان الله رضا نفسه، سبحان الله زنة عرشه، سبحان الله مداد كلماته". رواه مسلم. وفي الترمذي وسنن أبي داود عن سعد بن أبي وقاص أنه دخل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم على امرأة بين يديها نوى أو حصى تسبح به، فقال: "أخبرك بما هو أيسر عليك من هذا وأفضل ؟" فقال: سبحان الله عدد ما خلق في السماء، وسبحان الله عدد ما خلق في الأرض، وسبحان الله عدد ما بين ذلك، وسبحان الله عدد ما هو خالق، والله أكبر مثل ذلك، ولا إله إلا الله مثل ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله مثل ذلك".والنوع الثاني: الخبر عن الرب تبارك وتعالى بأحكام أسمائه وصفاته نحو قولك: إن الله، عز وجل، يسمع أصوات عباده، ويرى حركاتهم، ولا يخفى عليه خافية من أعمالهم، وهو أرحم من آبائهم وأمهاتهم، وهو على كل شيء قدير، وهو أفرح بتوبة عبده من الفاقد الواجد ونحو ذلك. وأفضل هذا النوع الثناء عليه بما أثنى به على نفسه، وبما أثنى عليه رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تشبيه ولا تمثيل كما قال: (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)، وهذا النوع أيضا ثلاثة أنواع: حمد، وثناء، ومجد.فالحمد: الإخبار عنه بصفات كماله مع محبته والرضا عنه، ولا يكون المحب الساكت حامدا، ولا المثنى بلا محبة حامدا، حتى يجمع له المحبة والثناء، فإن كرر المحامد شيئا بعد شيء، كانت ثناء، فإن كان المدح بصفات الجلال والعظمة والكبرياء والملك كان مجدا. قد جمع الله تعالى لعبده الأنواع الثلاثة فى أول سورة فاتحة ال
 
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري - الطبري [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

القول في تأويل قوله تعالى : { يَأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ اذْكُرُواْ اللّهَ ذِكْراً كَثِيراً * وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الّذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مّنَ الظّلُمَاتِ إِلَى النّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيماً * تَحِيّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلاَمٌ وَأَعَدّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً } .

يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدّقوا الله ورسوله اذكروا الله بقلوبكم وألسنتكم وجوارحكم ذكرا كثيرا ، فلا تخلو أبدانكم من ذكره في حال من أحوال طاقتكم ذلك

وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصَيلاً يقول : صلوا له غدوة صلاة الصبح ، وعشيا صلاة العصر .

وقوله : هُوَ الّذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ يقول تعالى ذكره : ربكم الذي تذكرونه الذكر الكثير ، وتسبحونه بُكرة وأصيلاً ، إذا أنتم فعلتم ذلك ، الذي يرحمكم ، ويثني عليكم هو ، ويدعو لكم ملائكته . وقيل : إن معنى قوله : يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ يشيع عنكم الذكر الجميل في عباد الله . وقوله : لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ يقول : تدعو ملائكة الله لكم ، فيخرجكم الله من الضلالة إلى الهُدى ، ومن الكفر إلى الإسلام . وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :

حدثنا عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، في قوله : اذْكُرُوا اللّهَ ذِكْرا كَثِيرا يقول : لا يفِرض على عباده فريضة إلا جعل لها حدّا معلوما ، ثم عذر أهلها في حال عذر ، غير الذكر ، فإن الله لم يجعل له حدّا ينتهي إليه ولم يعذر أحدا في تركه إلا مغلوبا على عقله ، قال : اذْكُرُوا اللّهَ قِياما وقُعُودا وعلى جُنُوبكم بالليل والنهار في البرّ والبحر ، وفي السفر والحضر ، والغنى والفقر ، والسقم والصحة ، والسرّ والعلانية ، وعلى كلّ حال ، وقال : سَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً فإذا فعلتم ذلك صلى عليكم هو وملائكته قال الله عزّ وجلّ هُوَ الّذِي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ .

حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصِيلاً صلاة الغداة ، وصلاة العصر .

وقوله : لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلَماتِ إلى النّورِ : أي من الضلالات إلى الهدى .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : هُوَ الّذِي يُصَلّي عَلَيْكمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنَ الظّلُماتِ إلى النّورِ قال : من الضلالة إلى الهُدى ، قال : والضلالة : الظلمات ، والنور : الهدى .

وقوله : وكانَ بالمُؤْمِنِينَ رَحِيما يقول تعالى ذكره : وكان بالمؤمنين به ورسوله ذا رحمة أن يعذّبهم وهم له مطيعون ، ولأمره متبعون

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

{ وسبحوه بكرة وأصيلا } أول النهار وآخره خصوصا ، وتخصيصهما بالذكر للدلالة على فضلهما على سائر الأوقات لكونهما مشهودين كأفراد التسبيح من جملة الأذكار لأنه العمدة فيها . وقيل الفعلان موجهان إليهما . وقيل المراد بالتسبيح الصلاة .

 
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية - ابن عطية [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

وقوله تعالى : { وسبحوه بكرة وأصيلاً } أراد في كل الأوقات مجدد الزمان بطرفي نهاره وليله ، وقال قتادة والطبري وغيره الإشارة إلى صلاة الغداة وصلاة العصر .

قال الفقيه الإمام القاضي : وهذه الآية مدنية فلا تعلق بها لمن زعم أن الصلاة إنما فرضت أولاً صلاتين في طرفي النهار ، والرواية بذلك ضعيفة ، والأصيل من العصر إلى الليل .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

والتسبيح : يجوز أن يراد به الصلوات النوافل فليس عطف { وسبحوه } على { اذكروا الله } من عطف الخاص على العام .

ويجوز أن يكون المأمور به من التسبيح قول : سبحان اللَّه ، فيكون عطف { وسبّحوه } على { اذكروا الله } من عطف الخاص على العام اهتماماً بالخاص لأن معنى التسبيح التنزيه عما لا يجوز على الله من النقائص فهو من أكمل الذكر لاشتماله على جوامع الثناء والتمجيد ، ولأن في التسبيح إيماء إلى التبرؤ مما يقوله المنافقون في حقّ النبي صلى الله عليه وسلم فيكون في معنى قوله تعالى : { ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم } [ النور : 16 ] فإن كلمة : سبحان الله ، يكثر أن تقال في مقام التبرُّؤ من نسبة ما لا يليق إلى أحد كقول النبي صلى الله عليه وسلم « سُبحان الله المُؤمن لا ينجس » . وقول هند بنت عتبة حين أخذ على النساء البيعة « أن لا يَزْنين » : سبحان الله أتزني الحرّة .

والبُكرة : أول النهار . والأصيل : العشيّ الوقت الذي بعد العصر . وانتصبا على الظرفية التي يتنازعها الفعلان { اذكروا الله . . وسبحوه } .

والمقصود من البُكرة والأصيل إعمار أجزاء النهار بالذكر والتسبيح بقدر المُكْنة لأن ذكر طرفي الشيء يكون كناية عن استيعابه كقول طرفة :

لكَالِطّوَل المرخَى وثِنياه باليد

ومنه قولهم : المشرق والمغرب ، كناية عن الأرض كلّها ، والرأسُ والعقب كناية عن الجسد كله ، والظهر والبطن كذلك .

وقدّم البكرة على الأصيل لأن البكرة أسبق من الأصيل لا محالة . وليس الأصيل جديداً بالتقديم في الذكر كما قُدم لفظ { تمسون } في قوله في سورة الروم { فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون } [ الروم : 17 ] لأن كلمة المساء تشمل أول الليل فقدم لفظ { تمسون } هنالك رعّياً لاعتبار الليل أسبق في حساب أيام الشهر عند العرب وفي الإِسلام وليست كذلك كلمة الأصيل .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{وَسَبِّحُوهُ بُكۡرَةٗ وَأَصِيلًا} (42)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{وسبحوه بكرة وأصيلا} صلوا بالغداة الفجر، والعشي يعني الظهر والعصر.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

"وَسَبّحُوهُ بُكْرَةً وأصَيلاً" يقول: صلوا له غدوة صلاة الصبح، وعشيا صلاة العصر.

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

جائز أن يكون ذلك ليس على إرادة البكرة والأصيل، ولكن على إرادة كل وقت وكل حال؛ ليس من وقت ولا من حال إلا ولله على عباده شكر وصبر؛ الشكر لنعمائه، والصبر على مصائبه.

{وسبحوه بكرة وأصيلا} البكرة هي ختم الليل وابتداء النهار، والأصيل هو ختم النهار وابتداء الليل؛ فكأنه أمر بالذكر له في ابتداء كل ليل وختمه، وابتداء كل نهار وانقضائه؛ ليتجاوز عنهم، ويعفو ما يكون منهم من الزلات في خلال ذلك.

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

وقوله تعالى: {وسبحوه بكرة وأصيلا} أي إذا ذكرتموه فينبغي أن يكون ذكركم إياه على وجه التعظيم والتنزيه عن كل سوء وهو المراد بالتسبيح وقيل المراد منه الصلاة وقيل للصلاة تسبيحه {بكرة وأصيلا} إشارة إلى المداومة وذلك لأن مريد العموم قد يذكر الطرفين ويفهم منهما الوسط كقوله عليه السلام «لو أن أولكم وآخركم» ولم يذكر وسطكم ففهم منه المبالغة في العموم.

في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :

ويربط القرآن بين هذا الذكر وبين الأوقات والأحوال التي يمر بها الإنسان، لتكون الأوقات والأحوال مذكرة بذكر الله ومنبهة إلى الاتصال به حتى لا يغفل القلب ولا ينسى، وفي البكرة والأصيل خاصة ما يستجيش القلوب إلى الاتصال بالله مغير الأحوال، ومبدل الظلال؛ وهو باق لا يتغير ولا يتبدل، ولا يحول ولا يزول. وكل شيء سواه يتغير ويتبدل، ويدركه التحول والزوال.