وقوله : وَإنّ لَنا لَلاَخِرَةَ والأُولى يقول : وإن لنا مِلْك ما في الدنيا والاَخرة ، نعطي منهما من أردنا من خلقنا ، ونحرمه من شئنا .
وإنما عَنَى بذلك جلّ ثناؤه أنه يوفق لطاعته من أحبّ من خلقه ، فيكرمه بها في الدنيا ، ويهيىء له الكرامة والثواب في الاَخرة ، ويخذُل من يشاء خِذلانه من خلقه عن طاعته ، فيهينه بمعصيته في الدنيا ، ويخزيه بعقوبته عليها في الاَخرة .
وعطف { وإن لنا للآخرة والأولى } على جملة : { إن علينا للهدى } تتميم وتنبيه على أن تعهّد الله لعباده بالهُدى فضلٌ منه وإلا فإن الدار الآخرة ملكه والدار الأولى ملكه بما فيهما قال تعالى : { وللَّه ملك السماوات والأرض وما بينهما } [ المائدة : 17 ] فله التصرف فيهما كيف يشاء فلا يحسبوا أن عليهم حقاً على الله تعالى إلا ما تفضل به .
وفي الآية إشارة عظيمة إلى أن أمور الجزاء في الأخرى تجري على ما رتبه الله وأعلم به عباده . وأن نظام أمور الدنيا وترتب مسبباته على أسبابه أمر قد وضعه الله تعالى وأمر بالحفاظ عليه وأرشد وهدى ، فمن فرط في شيء من ذلك فقد استحق ما تسبب فيه .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول : وإن لنا مِلْك ما في الدنيا والآخرة ، نعطي منهما من أردنا من خلقنا ، ونحرمه من شئنا .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أحدهما : يقول : والله أعلم : إنكم تعلمون أن لنا الآخرة والأولى ، وليس لما تعبدون من الأصنام والأوثان الآخرة والأولى ، فكيف صرفتم عبادتكم عمن له الآخرة والأولى إلى من ليس له الآخرة والأولى على علم منكم بذلك ؟ يسفههم في اختيارهم عبادة الأصنام على عبادة الله تعالى .
والثاني : يقول ، والله أعلم : { إن لنا للآخرة والأولى } فما لكم تبخلون بالإنفاق على أنفسكم وما ترجع منفعته إليكم بما ليس لكم في الحقيقة ، وإنما هو لله تعالى وهذا التأويل صلة قوله تعالى : { وأما من بخل واستغنى } والأول صلة قوله : { إن علينا للهدى } . ...
( الأول ) : أن لنا كل ما في الدنيا والآخرة فليس يضرنا ترككم الاهتداء بهدانا ، ولا يزيد في ملكنا اهتداؤكم ، بل نفع ذلك وضره عائدان عليكم ولو شئنا لمنعناكم من المعاصي قهرا ، إذ لنا الدنيا والآخرة ولكننا لا نمنعكم من هذا الوجه ، لأن هذا الوجه يخل بالتكليف ، بل نمنعكم بالبيان والتعريف ، والوعد والوعيد.
( الثاني ) : أن لنا ملك الدارين نعطي ما نشاء من نشاء ، فيطلب سعادة الدارين منا ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وإن لنا } أي يا أيها المنكرون خاصاً بنا ، وقدم ما العناية به أشد لأجل إنكارهم لا للفاصلة ، فإنه يفيدها مثلاً أن يقال : للعاجلة والأخرى ، فقال : { للآخرة والأولى } فمن ترك ما بينا له من طريق الهداية لم يخرج عن كونه لنا ولم يضر إلا نفسه ولنا التصرف التام ، بما نقيم من الأسباب المقربة للشيء جداً ، ثم بما نقيم من الموانع الموجبة لبعده غاية البعد ، فنعطي من نشاء ما نشاء ونمنع من نشاء ما نشاء ....
محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ :
أي ملكا وخلقا فلا يضرنا توليكم عن الهدى ، وذلك لغناه تعالى المطلق وتفرده بملك ما في الدارين وكونه في قبضة تصرفه لا يحول بينه وبينه أحد ، ولا يحصله أحد حتى يضر عدم اهتدائه أو ينفع اهتداؤه، وفيه إشارة إلى تناهي عظمته وتكامل قهره وجبروته، وإن من كان كذلك فجدير أن يبادر لطاعته ويحذر من معصيته، ولذا رتب عليه قوله : { فأنذرتكم نارا تلظى }...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
واللمسة الثانية هي التقرير الجازم لحقيقة السيطرة التي تحيط بالناس ، فلا يجدون من دونها موئلا : ( وإن لنا للآخرة والأولى ) . . فأين يذهب من يريد أن يذهب عن الله بعيدا ? !
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وفي الآية إشارة عظيمة إلى أن أمور الجزاء في الأخرى تجري على ما رتبه الله وأعلم به عباده . وأن نظام أمور الدنيا وترتب مسبباته على أسبابه أمر قد وضعه الله تعالى وأمر بالحفاظ عليه وأرشد وهدى ، فمن فرط في شيء من ذلك فقد استحق ما تسبب فيه .
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
فلا حاجة بنا لإيمانكم وطاعتكم ، ولا طاعتكم تجدينا نفعاً ولا معصيتكم تصيبنا ضرّاً ، وكلّ منهج الهداية لصالحكم أنفسكم . حسب هذا التّفسير الهداية تعني «اراءة الطريق » . ويحتمل أن تكون الآيتان لتشجيع المؤمنين الأسخياء ، والتأكيد على أنّ اللّه سبحانه سيشملهم بمزيد من الهداية ، وييسر لهم الطريق في هذه الدنيا وفي الآخرة ، فاللّه قادر على ذلك لأنّ له الآخرة والأولى . ...