{ وصدق بالحسنى } قال أبو عبد الرحمن والضحاك : وصدق بلا إله إلا الله ، وهي رواية عطية عن ابن عباس . وقال مجاهد : بالجنة ، دليله : قوله تعالى { للذين أحسنوا الحسنى }( يونس-26 ) أي : الجنة . وقيل { صدق بالحسنى } : أي بالخلف ، أي أيقن أن الله تعالى سيخلفه . وهي رواية عكرمة عن ابن عباس . وقال قتادة ومقاتل والكلبي : بموعود الله عز وجل الذي وعده أن يفي به .
{ وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } أي : بالمجازاة على ذلك - قاله قتادة ، وقال خَصِيف : بالثواب . وقال ابن عباس ، ومجاهد ، وعكرمة ، وأبو صالح ، وزيد بن أسلم : { وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } أي : بالخلف . وقال أبو عبد الرحمن السلمي ، والضحاك : { وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } أي : بلا إله إلا الله . وفي رواية عن عكرمة : { وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } أي : بما أنعم الله عليه . وفي رواية عن زيد بن أسلم : { وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى } قال : الصلاة والزكاة والصوم . وقال مرة : وصدقة الفطر .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زُرْعَة ، حدثنا صفوان بن صالح الدمشقي ، حدثنا الوليد بن مسلم ، حدثنا زُهَير بن محمد ، حدثني مَن سَمِع أبا العالية الرياحي يُحدث عن أبي بن كعب قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحسنى قال : " الحسنى : الجنة " {[30154]} .
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فقال بعضهم : معنى ذلك : وصدّق بالخلف من الله ، على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه . ذكر من قال ذلك :
حدثني حميد بن مسعدة ، قال : حدثنا بشر بن المفضل ، قال : حدثنا دواد ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، في قوله : وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : وصدّق بالخَلَف من الله .
حدثني محمد بن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : حدثنا داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس : وَصَدّقَ بالْحُسْنَى يقول : وصدّق بالخلَف من الله .
حدثنا ابن المثنى ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن مَهْدِيّ ، قال : حدثنا خالد بن عبد الله ، عن داود بن أبي هند ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى بالخلَف .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن داود ، عن عكرِمة ، عن ابن عباس ، مثله .
حدثنا إسماعيل بن موسى السديّ ، قال : أخبرنا بشر بن الحكم الأحْمَسيّ ، عن سعيد بن الصلت ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : أيقن بالخلف .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن عكرِمة فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : بالخلف .
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن قيس بن مسلم ، عن عكرِمة وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : بأن الله سيخلف له .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي هاشم المكيّ ، عن مجاهد وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال بالخلف .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن أبي بكر الهُذليّ ، عن شَهْر بن حَوْشَب ، عن ابن عباس : وصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : بالخَلَف .
حدثنا أبو كُرَيب ، قال : حدثنا وكيع ، عن نَضْر بن عربيّ ، عن عكرِمة ، قال : بالخَلَف .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدّق بأن الله واحد لا شريك له . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمر بن عليّ المُقَدّميّ ، قال : حدثنا أشعث السجستانيّ ، قال : حدثنا مِسْعَر وحدثنا أبو كُرَيب قال : حدثنا وكيع ، عن مِسْعر عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : بلا إله إلاّ الله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن أبي حصين ، عن أبي عبد الرحمن ، مثله .
حُدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : حدثنا عُبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : وَصَدّقَ بالْحُسْنَى : بلا إله إلاّ الله .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس وَصَدّقَ بالْحُسْنَى : يقول : صدّق بلا إله إلاّ الله .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدّق بالجنة . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حُميد ، قال : حدثنا مهران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : بالجنة .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثني محمد بن محبب ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
وقال آخرون : بل معناه : وصدق بموعود الله . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : بموعود الله على نفسه ، فعمل بذلك الموعود الذي وعده الله .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله وَصَدّقَ بالْحُسْنَى قال : صدّق المؤمن بموعود الله الحسن .
وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، وأولاها بالصواب عندي : قول من قال : عُنِي به التصديق بالخَلَف من الله على نفقته .
وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ، لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخَلَف منها ، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخَلَف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه ، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد . ذكر الخبر الوارد بذلك :
حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا عَبّاد بن راشد ، عن قتادة قال : ثني خُلَيد العَصْرِيّ ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ ، إلاّ وبِجَنْبَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللّهِ كُلّهُمْ إلاّ الثّقَلَينِ : اللّهُمّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا ، وأعْطِ مُمْسِكا تَلَفا » فأنْزَلَ اللّهُ فِي ذلك القرآن فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى . . . إلى قوله لِلْعُسرَى .
وذُكر أن هذه الاَية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه . ذكر الخبر بذلك :
حدثني هارون بن إدريس الأصمّ ، قال : حدثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربيّ ، قال : حدثنا محمد بن إسحاق ، عن محمد بن عُبيد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصدّيق ، عن عامر بن عبد الله بن الزّبير ، قال : كان أبو بكر الصدّيق يُعْتِق على الإسلام بمكة ، فكان يُعْتِق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال له أبوه : أَيْ بُنَيّ ، أراك تُعْتِق أناسا ضعفاء ، فلو أنك أعتقت رجالاً جُلدا يقومون معك ، ويمنعونك ، ويدفعون عنك ، فقال : أي أبت ، إنما أريد «أظنه قال » : ما عند الله ، قال : فحدثني بعض أهل بيتي ، أن هذه الاَية أنزلت فيه : فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى .
واختلف الناس في { الحسنى } ما هي في هذه السورة ، فقال أبو عبد الرحمن السلمي وغيره : هي لا إله إلا الله ، وقال ابن عباس وعكرمة وجماعة : هي الخلف الذي وعد الله تعالى به ، وذلك نص في حديث الملكين إذ يقول أحدهما : اللهم اعط منفقاً خلفاً ، ويقول الآخر : اللهم أعط ممسكاً تلفاً{[11860]} ، وقال مجاهد والحسن وجماعة : { الحسنى } : الجنة ، وقال كثير من المفسرين { الحسنى } : الأجر والثواب مجملاً
والحُسنى : تَأنيث الأحسن فهي بالأصالة صفَة لموصوف مقدر ، وتأنيثها مشعر بأن موصوفها المقدر يعتبر مؤنث اللفظ ويحتمل أموراً كثيرة مثل المثوبة أو النصر أو العدة أو العاقبة .
وقد يصير هذا الوصف علماً بالغلبة فقيل : الحسنى الجنة ، وقيل : كلمة الشهادة ، وقيل : الصلاة ، وقيل : الزكاة . وعلى الوجوه كلها فالتصديق بها الاعتراف بوقوعها ويكنى به عن الرغبة في تحصيلها .
وحاصل الاحتمالات يحوم حول التصديق بوعد الله بما هو حسن من مثوبة أو نصر أو إخلاف ما تلف فيرجع هذا التصديق إلى الإيمان .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ وصدق بالحسنى } يقول بعِدَة الله عز وجل أن يخلفه في الآخرة خيرا ، إذا أعطى في حق الله عز وجل...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى : "وَصَدّقَ بالْحُسْنَى"؛
فقال بعضهم : معنى ذلك : وصدّق بالخلف من الله ، على إعطائه ما أعطى من ماله فيما أعْطَى فيه مما أمره الله بإعطائه فيه ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدّق بأن الله واحد لا شريك له ...
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وصدّق بالجنة ...
وقال آخرون : بل معناه : وصدق بموعود الله ...
وأشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التنزيل ، وأولاها بالصواب عندي : قول من قال : عُنِي به التصديق بالخَلَف من الله على نفقته .
وإنما قلت : ذلك أولى الأقوال بالصواب في ذلك ، لأن الله ذكر قبله مُنفقا أنفق طالبا بنفقته الخَلَف منها ، فكان أولى المعاني به أن يكون الذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد الله إياه بالخَلَف إذ كانت نفقته على الوجه الذي يرضاه ، مع أن الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنحو الذي قلنا في ذلك ورد... حدثني الحسن بن سلمة بن أبي كبشة ، قال : حدثنا عبد الملك بن عمرو ، قال : حدثنا عَبّاد بن راشد ، عن قتادة قال : ثني خُلَيد العَصْرِيّ ، عن أبي الدرداء ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «ما مِنْ يَوْمٍ غَرَبَتْ فِيهِ شَمْسُهُ ، إلاّ وبِجَنْبَيْها مَلَكانِ يُنادِيانِ ، يَسْمَعُهُ خَلْقُ اللّهِ كُلّهُمْ إلاّ الثّقَلَينِ : اللّهُمّ أعْطِ مُنْفِقا خَلَفا ، وأعْطِ مُمْسِكا تَلَفا » فأنْزَلَ اللّهُ فِي ذلك القرآن "فأمّا مَنْ أعْطَى واتّقَى وَصَدّقَ بالْحُسْنَى..." إلى قوله "لِلْعُسرَى" .
وذُكر أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه ...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
والحسنى: النعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها ، وهذه صفة الجنة التي أعدها الله تعالى للمتقين وحرمها من كذب بها . ...
أحكام القرآن لابن العربي 543 هـ :
فِي الْمُخْتَارِ : كُلُّ مَعْنًى مَمْدُوحٍ فَهُوَ حُسْنَى ، وَكُلُّ عَمَلٍ مَذْمُومٍ فَهُوَ سُوأَى وَعُسْرَى ، وَأَوَّلُ الْحُسْنَى التَّوْحِيدُ ، وَآخِرُهُ الْجَنَّةُ ؛ وَكُلُّ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ بَيْنَهُمَا فَهُوَ حُسْنَى ، وَأَوَّلُ السُّوأَى كَلِمَةُ الْكُفْرِ ، وَآخِرُهُ النَّارُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا فَهُوَ مِنْهُمَا وَمُرَادٌ بِاللَّفْظِ الْمُعَبِّرِ عَنْهُمَا . ...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ وصدق } أي أوقع التصديق للمخبر { بالحسنى } أي وهي كلمة العدل التي هي أحسن الكلام من التوحيد وما يتفرع عنه من الوعود الصادقة بالآخرة والإخلاف في النفقة في الدنيا وإظهار الدين وإن قل أهله على الدين كله ، وغير ذلك من كل ما وعد به الرسول صلى الله عليه وسلم سبحانه وتعالى ، ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وصدق بهذه العقيدة التي إذا قيل( الحسنى )كانت اسما لها وعلما عليها . والذي يعطي ويتقي ويصدق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكي نفسه ويهديها ...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وحاصل الاحتمالات يحوم حول التصديق بوعد الله بما هو حسن من مثوبة أو نصر أو إخلاف ما تلف، فيرجع هذا التصديق إلى الإيمان . ويتضمن أنه يعمل الأعمال التي يحصل بها الفوز بالحسنى . ولذلك قوبل في الشق الآخر بقوله : { وكذب بالحسنى } .