وقوله : { ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لإلَى الْجَحِيمِ } أي : ثم إن مردهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج ، وجحيم تتوقد ، وسعير تتوهج ، فتارة في هذا وتارة في هذا ، كما قال تعالى : { يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ } [ الرحمن : 44 ] . هكذا تلا قتادة هذه الآية عند هذه الآية ، وهو تفسير حسن قوي .
وقال السدي في قراءة عبد الله : " ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم " وكان عبد الله يقول : والذي نفسي بيده لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل أهل الجنة في الجنة ، وأهل النار في النار . ثم قرأ : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } [ الفرقان : 24 ] .
وروى الثوري ، عن ميسرة ، عن المنهال بن عمرو ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يقيل هؤلاء ويقيل هؤلاء . قال سفيان : أراه ، ثم قرأ : { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلا } ، ثم إن مقيلهم لإلى الجحيم " .
وقوله : ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلى الجَحِيمِ يقول تعالى ذكره : ثم إن مآبهم ومصيرهم لإلى الجحيم ، كما :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلى الجَحِيمِ فهم في عنا وعذاب من نار جهنم ، وتلا هذه الاَية : يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبينَ حَمِيمٍ آنٍ .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السدّي ، في قوله : ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُم لإَلى الجَحِيمِ قال : في قراءة عبد الله : «ثُمّ إنّ مُنْقَلَبَهُمْ لإَلى الجَحِيمِ » وكان عبد الله يقول : والذي نفسي بيده ، لا ينتصف النهار يوم القيامة حتى يَقِيلَ أهلُ الجنة في الجنة ، وأَهلُ النار في النار ، ثم قال : أصحَابُ الجَنّةِ يَوْمَئِذٍ خَيُرٌ مُسْتَقَرّا وأحْسَنُ مَقِيلاً .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلى الجَحِيمِ قال : موتهم .
{ ثم إن مرجعهم } مصيرهم . { لإلى الجحيم } إلى دركاتها أو إلى نفسها ، فإن الزقوم والحميم نزل يقدم إليهم قبل دخولهم ، وقيل الحميم خارج عنها لقوله تعالى : { هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن } يوردون إليه كما تورد الإبل إلى الماء ثم يردون إلى الجحيم ، ويؤيده أنه قرئ ثم إن منقلبهم " .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ثم إن مرجعهم} بعد الزقوم وشرب الحميم.
{لإلى الجحيم} وذلك قوله عز وجل: {يطوفون بينها وبين حميم آن}
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"ثُمّ إنّ مَرْجِعَهُمْ لإَلى الجَحِيمِ"، يقول تعالى ذكره: ثم إن مآبهم ومصيرهم لإلى الجحيم.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي إن مردّهم، أي ثم إنهم يُردّون إلى الجحيم لا أنهم يرجعون بأنفسهم، ولكن يردّون فيها كقوله: {فادخلوا أبواب جهنم} [النحل: 29] هم لا يدخلون فيها، ولكن يُدفعون فيها كقوله عز وجل: {يوم يُدعون إلى نار جهنم دعًّا} [الطور: 13]. الجحيم: هو معظم النار على ما ذكرنا، يقال: نار جاحمة أي عظيمة.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
وقرئ: «ثم إن منقلبهم» ثم إن مصيرهم، ثم إن منفذهم إلى الجحيم.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{ثم إن مرجعهم} أي بعد خروجهم من دار ضيافتهم الزقومية {لإلى الجحيم} أي ذات الاضطرام الشديد، والزفير والبكاء والاغتمام الطويل المديد، كما أن حزب الله يتقلبون من جنات النعيم إلى جنات المأوى مثلاً إلى جنات عدن إلى الفردوس التي لا يبغون عنها حولاً، كما ينقل أهل السعة والأكابر من أهل الدنيا ضيوفهم في البساتين المتواصلة والمناظر، وينزهونهم في القصور العالية والدساكر.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
وبعد هذه الوجبة يغادرون تلك المائدة عائدين إلى مقرهم المقيم. ويا له من نزل! ويا له من معاد!
بذلك يختم المشهد الفريد. وينتهي الشوط الأول من السورة. وكأنما كان قطعة من الواقع المشهود.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
القول في عطف {ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم} كالقول في عطف {ثم إن لهم عليها لشوباً من حميم.
والمرجع: مكان الرجوع، أي المكان الذي يعود إليه الخارج منه بعد أن يفارقه. وقد يستعار للانتقال من حالة طارئة إلى حالة أصلية تشبيهاً بمغادرة المكان ثم العود إليه كقول عُمر بن الخطاب في كلامه مع هُنَيْئ صاحب الحِمَى فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نَخْل وزرع، يعني عثمان بن عفان وعبد الرحمان بنَ عوف، فإنه إنما عَنى أنهما ينتقلان من الانتفاع بالماشية إلى الانتفاع بالنخل والزرع وكذلك ينبغي أن يفسر الرجوع في الآية لأن المشركين حين يطعمون من شجرة الزقوم ويشربون الحميم لم يفارقوا الجحيم فأريد التنبيه على أن عذاب الأكل من الزقوم والشراب من الحميم زيادةٌ على عذاب الجحيم، ألاَ ترى إلى قوله: {إنها شجرة تخرجُ في أصلِ الجحيمِ} فليس ثمة مغادرة للجحيم حتى يكون الرجوع حقيقة.