محاسن التأويل للقاسمي - القاسمي  
{ثُمَّ إِنَّ مَرۡجِعَهُمۡ لَإِلَى ٱلۡجَحِيمِ} (68)

{ ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ } أي مصيرهم { لَإِلَى الْجَحِيمِ } أي إلى دركاتها . أو إلى نفسها / لا مفر لهم منها ولا محيص كيفما تحولوا . قال ابن كثير : أي ثم إن مردهم بعد هذا الفصل لإلى نار تتأجج وسعير تتوهج . فتارة في هذا وتارة في هذا . كما قال تعالى : {[6362]} { يطوفون بينها وبين حميم آن } هكذا تلا قتادة هذه الآية عند هذه الآية . وهو تفسير حسن قوي . انتهى .

ومن لطائف الإشارات في هذه الآية ، ما قاله القاشانيّ . وعبارته : { إنها شجرة تخرج في أصل الجحيم } وهي شجرة النفس الخبيثة المحجوبة النابتة في قعر جهنم الطبيعة المتشعبة أغصانها في دركاتها القبيحة الهائلة ثمراتها من الرذائل والخبائث كأنها من غاية القبح والتشوه والخبث بالتنفر { رؤوس الشياطين } أي تنشأ منها الدواعي المهلكة والنوازع المردية الباعثة على الأفعال القبيحة والأعمال السيئة . فتلك أصول الشيطنة ومبادئ الشر والمفسدة ، فكانت رؤوس الشياطين { فإنهم لآكلون منها } يستمدون منها ويتغذون ويتقوّون . فإن الأشرار غذاؤهم من الشرور ولا يلتذون إلا بها { فمالئون منها البطون } بالهيئات الفاسقة والصفات المظلمة ، كالممتلئ غضبا وحقدا وحسدا وقت هيجانها { ثم إن لهم عليها لشوبا من حميم } الأهواء الطبيعية والمُنَى السيئة الرديئة ، ومحبات الأمور السفلية ، وقصور الشرور الموبقة ، التي تكسر بعض غلة الأشرار { ثم إن مرجعهم لإلى الجحيم } لغلبة الحرص والشره ، بالشهوة والحقد والبغض والطمع وأمثالها . واستيلاء دواعيها مع امتناع حصول مباغيها . انتهى .

وهذه الإشارات من المجازات التي تتسع لها اللغة ، لأنها لا تنحصر في الحقيقة ، ولا يقال إنها المرادة هنا ، لنبوّها عن نظائرها من آيات الوعيد . والله أعلم .


[6362]:[71/نوح/26].