{ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } أي : الأمور الخفية فيهما ، التي تخفى على الخلق ، كالذي في لجج البحار ، ومهامه القفار ، وما جنه الليل أو واراه النهار ، يعلم قطرات الأمطار ، وحبات الرمال ، ومكنونات الصدور ، وخبايا الأمور .
{ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين }
{ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } يحصي عليكم أعمالكم ، ويوفيكم إياها ، ويجازيكم عليها بما تقتضيه رحمته الواسعة ، وحكمته البالغة .
ثم ختم - سبحانه - السورة الكريمة بقوله : { إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض . . } أى : إنه - تعالى - يعلم ما خفى وغاب عن عقول الناس من أحوال السماوات والأرض { والله بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } - أيها الناس - لا يعزب عنه شئ من أقوالكم أو أفعالكم .
وبعد : فهذا تفسير وسيط لسورة " الحجرات " تلك السورة التى رسمت للناس معالم عالم كريم ، تشع فيه الآداب السامية ، والأخلاق العالية ، والقيم الجليلة ، وتختفى فيه ما يتعارض مع هذه المعانى كالحقد والغيبة والتقاتل والتفاخر بالأحساب والأنساب .
( إن الله يعلم غيب السماوات والأرض ، والله بصير بما تعملون ) . .
والذي يعلم غيب السماوات والأرض يعلم غيب النفوس ، ومكنون الضمائر ، وحقائق الشعور ويبصر ما يعمله الناس ، فلا يستمد علمه بهم من كلمات تقولها ألسنتهم ؛ ولكن من مشاعر تجيش في قلوبهم ، وأعمال تصدق ما يجيش في القلوب . .
وبعد فهذه هي السورة الجليلة ، التي تكاد بآياتها الثمانية عشرة تستقل برسم معالم عالم كريم نظيف رفيع سليم . بينما هي تكشف كبريات الحقائق ، وتقرر أصولها في أعماق الضمير . .
القول في تأويل قوله تعالى : { إِنّ اللّهَ يَعْلَمُ غَيْبَ السّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ } .
يقول تعالى ذكره : إن الله أيها الأعراب لا يخفى عليه الصادق منكم من الكاذب ، ومن الداخل منكم في ملة الإسلام رغبة فيه ، ومن الداخل فيه رهبة من رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم وجنده ، فلا تعلمونا دينكم وضمائر صدوركم ، فإن الله يعلم ما تكنه ضمائر صدوركم ، وتحدّثون به أنفسكم ، ويعلم ما غاب عنكم ، فاستسرّ في خبايا السموات والأرض ، لا يخفى عليه شيء من ذلك واللّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ يقول : والله ذو بصر بأعمالكم التي تعملونها ، أجهرا تعملون أم سرّا ، طاعة تعملون أو معصية ؟ وهو مجازيكم على جميع ذلك ، إن خيرا فخير ، وإن شرّا فشرّ وكُفُؤه .
وإنْ في قوله : يَمُنّوا عَلَيْكَ أنْ أسْلَمْوا في موضع نصب بوقوع يمنون عليها ، وذكر أن ذلك في قراءة عبد الله «يَمُنّونَ عَلَيْكَ إسْلامَهُمْ » ، وذلك دليل على صحة ما قلنا ، ولو قيل : هي نصب بمعنى : يمنون عليك لأن أسلموا ، لكان وجها يتجه . وقال بعض أهل العربية : هي في موضع خفض . بمعنى : لأن أسلموا .
وأما أن التي في قوله : بَلِ اللّهُ يَمُنّ عَلَيْكُمْ أنْ هَدَاكُمْ فإنها في موضع نصب بسقوط الصلة لأن معنى الكلام : بل الله يمنّ عليكم بأن هداكم للإيمان .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.