نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{إِنَّ ٱللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ وَٱللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ} (18)

ولما نفى عنهم ما هو باطن ، وختم جدالهم سبحانه بهذه الشرطية ، فكان ربما توهم قاصر النظر جامد الفكر عدم العلم بما هو عليه ، أزال ذلك على وجه عام ، وأكده لذلك فقال : { إن الله } أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً { يعلم } أي بطريق ثبوت الصفة وتجريد التعلق واستمراره كلما تجدد محدث أو كان بحيث {[61001]}يتجدد { غيب السماوات } أي كلها { والأرض } كذلك .

ولما أريد التعميم من غير تقييد بالخافقين أظهر ولم يضمر قوله : { والله } أي الذي له الإحاطة بذلك وبغيره مما لا تعلمون { بصير } أي عالم أتم العلم ظاهراً وباطناً { بما تعملون * } من ظاهر إسلامكم وباطن إيمانكم في الماضي والحاضر والآتي سواء كان ظاهراً أو باطناً سواء كان قد حدث فصار بحيث تعلمونه أنتم أو كان مغروزاً في جبلاتكم وهو خفي عنكم - هذا على قراءة الخطاب{[61002]} التفات{[61003]} إليهم لاستنقاذ من توهم منهم هذا التوهم ، وهي أبلغ ، وعلى قراءة ابن كثير بالغيب يكون على الأسلوب الأول مما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبلاغه لهم ، فهو سبحانه عالم بمن انطوى ضميره على الإيمان ، ومن هو متكيف بالكفران ، ومن يموت على ما هو عليه ، ومن يتحول حاله بإبعاد عنه أو جذب إليه ، قال القشيري رحمه الله تعالى : ومن وقف ههنا تكدر عليه العيش إذ ليس يدري ما غيبه فيه ، وفي المعنى قال{[61004]} :

أبكي وهل تدرين ما يبكيني *** أبكي حذاراً أن تفارقيني

وتقطعي حبلي{[61005]} وتهجريني ***

انتهى . وفي ذلك أعظم زجر{[61006]} وترهيب لمن قدم بين يدي-{[61007]} الله ورسوله ولو أن تقدمه في سره . فإنه لا تهديد أبلغ من إحاطة العلم ، فكأنه قيل : لا تقدموا بين يديه فإن الله محيط العلم فهو يعلم سركم وجهركم ، فقد رجع{[61008]} هذا {[61009]}الآخر إلى الأول{[61010]} ، والتف به التفاف الأصل بالموصل .


[61001]:من مد، وفي الأصل: يحب.
[61002]:راجع نثر المرجان 6/680.
[61003]:من مد، وفي الأصل: التفاتا.
[61004]:سقط من مد.
[61005]:من مد، وفي الأصل: جيلى.
[61006]:من مد، وفي الأصل: زاجر.
[61007]:زيد من مد.
[61008]:من مد، وفي الأصل: التفت.
[61009]:من مد، وفي الأصل: الأول إلى الآخر.
[61010]:من مد، وفي الأصل: الأول إلى الآخر.