{ كلا } قال مقاتل : لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه . ثم بين محل كتاب الأبرار فقال : { إن كتاب الأبرار لفي عليين } روينا عن البراء مرفوعاً : " إن عليين في السماء السابعة تحت العرش " . وقال ابن عباس : هو لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش أعمالهم مكتوبة فيه . وقال كعب ، وقتادة : هو قائمة العرش اليمنى . وقال عطاء عن ابن عباس : هو الجنة . وقال الضحاك : سدرة المنتهى . وقال بعض أهل المعاني : علو بعد علو وشرف بعد شرف ، ولذلك جمعت بالياء والنون . وقال الفراء : هو اسم موضوع على صيغة الجمع ، لا واحد له من لفظه ، مثل عشرين وثلاثين .
{ 18 - 27 } { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ }
لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها ، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها وأوسعها ، وأفسحها وأن كتابهم المرقوم { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } من الملائكة الكرام ، وأرواح الأنبياء ، والصديقين والشهداء ، وينوه الله بذكرهم في الملأ الأعلى ، و { عليون } اسم لأعلى الجنة ،
وكعادة القرآن الكريم فى قرن الترهيب بالترغيب ، والعكس ، ساقت السورة الكريمة بعد ذلك ، ما أعده - سبحانه - للأبرار من خير وفير ، ومن نعيم مقيم ، فقال - تعالى - :
{ كَلاَّ إِنَّ كِتَابَ الأبرار . . . } .
قوله : { كلا } هنا ، تكرير للردع والزجر اسابق فى قوله - تعالى - قبل ذلك : { إِنَّ كِتَابَ الفجار لَفِي سِجِّينٍ } لبيان ما يقابل ذلك من أن كتاب الأبرار فى عليين .
ولفظ " عليين " جمع عِلِّى - بكسر العين وتشديد اللام المكسورة - من العلو . ويرى بعضهم أن هذا اللفظ مفرد ، وأنه اسم للديوان الذى تكتب فيه أعمال الأبرار .
قال صاحب الكشاف : وكتاب الأبرار : ما كتب من أعمالهم ، وعليون : علم لديوان الخير ، الذى دون فيه كل ما عملته الملائكة وصلحاء الثقلين . منقول من جمع " عِلِّى " بزنة فِعِّيل - بكسر الفاء والعين المشددة - من العلو ، كسِجِّين من السجن . سمى بذلك إما لأنه سبب الارتفاع إلى أعلى الدرجات فى الجنة ، وإما لأنه مرفوع فى السماء السابعة . . تكريما له وتعظيما . .
أى : حقا إن ما كتبته الملائكة من أعمال صالحة للأتقياء الأبرار ، لمثبت فى ديوان الخير ، الكائن فى أعلى مكان وأشرفه .
ثم يعرض الصفحة الأخرى . صفحة الأبرار . على العهد بطريقة القرآن في عرض الصفحتين متقابلتين في الغالب ، لتتم المقابلة بين حقيقتين وحالين ونهايتين :
( كلا ! إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون ? كتاب مرقوم ، يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم ، على الأرائك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . ومزاجه من تسنيم . عينا يشرب بها المقربون ) . .
وكلمة( كلا )تجيء في صدر هذا المقطع زجرا عما ذكر قبله من التكذيب في قوله : ( ثم يقال : هذا الذي كنتم به تكذبون ) . . ويعقب عليه بقوله : ( كلا )ثم يبدأ الحديث عن الأبرار في حزم وفي توكيد .
فإذا كان كتاب الفجار في( سجين )فإن كتاب الأبرار في( عليين ) . . . والأبرار هم الطائعون الفاعلون كل خير . وهم يقابلون الفجار العصاة المتجاوزين لكل حد . .
ولفظ( عليين )يوحي بالعلو والارتفاع مما قد يؤخذ منه أن( سجين )يفيد الانحطاط والسفول .
يقول تعالى : حقا { إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ } وهم بخلاف الفجار ، { لَفِي عِلِّيِّينَ } أي : مصيرهم إلى عليين ، وهو بخلاف سجين .
قال الأعمش ، عن شَمر بن عطية ، عن هلال بن يَسَاف قال : سأل ابن عباس كعبا وأنا حاضر عن سجين ، قال : هي الأرض السابعة ، وفيها أرواح الكفار . وسأله عن عِلّيين فقال : هي السماء السابعة ، وفيها أرواح المؤمنين . وهكذا قال غير واحد : إنها السماء السابعة .
وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : { كَلا إِنَّ كِتَابَ الأبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ } يعني : الجنة .
وفي رواية العَوفي ، عنه : أعمالهم في السماء عند الله . وكذا قال الضحاك .
وقال قتادة : عليون : ساق العرش اليمنى . وقال غيره : عليون عند سدرة المنتهى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.