وقوله - سبحانه - : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } أى : وحق النفوس ، وحق من أنشأها من العدم فى أحسن تقويم ، وجعلها مستعدة لتلقى ما يكملها ويصحلها .
ويبدو أن المراد بالنفس هنا : القوة المدبرة للإِنسان ، يكون المقصود بتسويتها . منحها القوى الكثيرة المتنوعة ، التى توصلها إلى حسن المعرفة ، والتمييز بين الخير والشر ، والنفع والضر ، والهدى والضلال .
قالوا : وقوله : - تعالى - بعد ذلك : { فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا } يشير إلى أن المراد بالنفس فى قوله - تعالى - : { وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا } القوة المدبرة للإِنسان ، والتى عن طريقها يدرك الأمور إدراكا واضحا ، ويختار منها ما يناسب استعداده
إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة ، مزدوج الاستعداد ، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه [ من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه ] مزود باستعدادات متساوية للخير والشر ، والهدى والضلال . فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر . كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء . وأن هذه القدرة كامنة في كيانه ،
و« النفس » : ذات الإِنسان كما تقدم عند قوله تعالى : { يا أيتها النفس المطمئنة } [ الفجر : 27 ] وتنكير « نفس » للنوعية أي جنس النفس فيعم كل نفس عموماً بالقرينة على نحو قوله تعالى : { علمت نفس ما قدمت وأخرت } [ الانفطار : 5 ] .
وتسوية النفس : خلقها سواء ، أي غير متفاوتة الخَلْق ، وتقدم في سورة الانفطار ( 7 ) عند قوله تعالى : { الذي خلقك فسواك . } ومَا } في المواضع الثلاثة من قوله : { وما بناها } ، أو { ما طحاها } ، { وما سواها } ، إمّا مصدرية يؤوَّلُ الفعل بعدها بمصدر فالقسم بأمور من آثار قدرة الله تعالى وهي صفات الفعل الإلهية وهي رفعةُ السماء وطَحْوُهُ الأرض وتسويته الإِنسان .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "وَنَفْسٍ وَما سَوّاها" يعني جلّ ثناؤه بقوله : "وَما سَوّاها" نفسه ، لأنه هو الذي سوّى النفسَ وخلقها ، فعدّل خلقها ، فوضع «ما » موضع «مَنْ » ، وقد يُحتمل أن يكون معنى ذلك أيضا المصدر ، فيكون تأويله : ونفس وتسويَتها ، فيكون القسم بالنفس وبتسويتها .
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
قالوا : تسويتها في أن خلقها باليدين والرجلين والعينين ونحوها ... ويحتمل { سواها } على ما عليه مصلحتها ، فتملك التقلب والتعيش ، ليس على ما عليه سائر الحيوان . ويحتمل وجها آخر ، وهو أن يكون قوله : { وسواها } أي جعلها بحيث احتمال الكلفة والمحنة كقوله تعالى : { ولما بلغ أشده واستوى } [ القصص : 14 ] يميز بين القبيح والحسن ، ويعرف عواقب الأمور من الخير والشر . ...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
فإن قلت : لم نكرت النفس ؟ قلت : فيه وجهان؛
أحدهما : أن يريد نفساً خاصة من بين النفوس وهي نفس آدم ، كأنه قال : وواحدة من النفوس .
والثاني : أن يريد كل نفس وينكر للتكثير على الطريقة المذكورة في قوله : { عَلِمَتْ نَفْسٌ } [ التكوير : 14 ] . ...
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
والنفس التي أقسم بها ، اسم الجنس ، وتسويتها إكمال عقلها ونظرها ، ولذلك ربط الكلام بقوله تعالى : { فألهمها } الآية فالفاء تعطي أن التسوية هي هذا الإلهام . ...
إن حملنا النفس على الجسد ، فتسويتها تعديل أعضائها على ما يشهد به علم التشريح ، وإن حملناها على القوة المدبرة ، فتسويتها إعطاؤها القوى الكثيرة كالقوة السامعة والباصرة والمخيلة والمفكرة والمذكورة ، على ما يشهد به علم النفس ...
تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ :
أي : خلقها سوية مستقيمة على الفطرة القويمة...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
سواها : أي ركب فيها القوى الظاهرة والباطنة ، وجعل لكل منها وظيفة تؤديها ثم أقسم بعد هذا بالنفس الإنسانية لما لها من شرف في هذا الوجود فقال : { ونفس وما سواها } أي قسما بالنفس ومن سواها وركب فيها قواها الباطنة والظاهرة ، وحدد لكل منها وظيفة تؤديها ، وألف لها الجسم الذي تستخدمه من أعضاء قابلة لاستعمال تلك القوى . ...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ثم تجيء الحقيقة الكبرى عن النفس البشرية في سياق هذا القسم ، مرتبطة بالكون ومشاهده وظواهره . وهي إحدى الآيات الكبرى في هذا الوجود المترابط المتناسق :
( ونفس وما سواها . فألهمها فجورها وتقواها . قد أفلح من زكاها ، وقد خاب من دساها ) . .
وهذه الآيات الأربع ، بالإضافة إلى آية سورة البلد السابقة :( وهديناه النجدين ) . . وآية سورة الإنسان :( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) . . تمثل قاعدة النظرية النفسية للإسلام . . وهي مرتبطة ومكملة للآيات التي تشير إلى ازدواج طبيعة الإنسان ، كقوله تعالى في سورة " ص " :( إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين . فإذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين ) . . كما أنها مرتبطة ومكملة للآيات التي تقرر التبعة الفردية :كقوله تعالى في سورة المدثر :( كل نفس بما كسبت رهينة ) . . والآيات التي تقرر أن الله يرتب تصرفه بالإنسان على واقع هذا الإنسان ، كقوله تعالى في سورة الرعد : إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .
ومن خلال هذه الآيات وأمثالها تبرز لنا نظرة الإسلام إلى الإنسان بكل معالمها . .
إن هذا الكائن مخلوق مزدوج الطبيعة ، مزدوج الاستعداد ، مزدوج الاتجاه ونعني بكلمة مزدوج على وجه التحديد أنه بطبيعة تكوينه [ من طين الأرض ومن نفخة الله فيه من روحه ] مزود باستعدادات متساوية للخير والشر ، والهدى والضلال . فهو قادر على التمييز بين ما هو خير وما هو شر . كما أنه قادر على توجيه نفسه إلى الخير وإلى الشر سواء . وأن هذه القدرة كامنة في كيانه .
التفسير الحديث لدروزة 1404 هـ :
جعلها سوية تامة الصفات والمظاهر خلقا وعقلا . ...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وأخيراً القسم الحادي عشر والقسم الثّاني عشر بالنفس الإنسانية وبارئها : ( ونفس وما سوّاها ) . قيل إنّ المراد بالنفس هنا روح الإنسان ، وقيل إنّه جسمه وروحه معاً . ولو كان المراد من النفس الروح ، «سواها » تعني إذن نظمها وعدّل قواها ابتداء من الحواس الظاهرة وحتى قوّة الإدراك ، والذاكرة ، والانتقال ، والتخيل ، والابتكار ، والعشق ، والإرادة ، والعزم ونظائرها من الظواهر المندرجة في إطار «علم النفس » . ولو كان المراد من النفس الروح والجسم معاً ، فالتسوية تشمل أيضاً ما في البدن من أنظمة وأجهزة يدرسها علم التشريح وعلم الفسلجة . وفي القرآن الكريم وردت «نفس » بكلا المعنيين ، بمعنى الروح ، كقوله سبحانه في الآية ( 42 ) من سورة الزمر : ( اللّه يتوفّى الأنفس حين موتها . . . )وبمعنى الجسم ، كقوله سبحانه في الآية ( 33 ) من سورة القصص : ( قال ربّ إنّي قتلت منهم نفساً فأخاف أن يقتلون ) . والأنسب هنا أن يكون معنى النفس هنا شاملاً للمعنيين لأن قدرة اللّه سبحانه تتجلى في الاثنين معاً . ويلاحظ أن الآية ذكرت كلمة «نفس » نكرة وفي ذلك إشارة إلى ما في النفس من عظمة تفوق قدرة التصوّر وإلى ما يحيطها من إبهام ، يجعلها موجوداً مجهولاً . وهذا ما حدا ببعض العلماء المعاصرين أن يتحدث عن الإنسان في كتابه تحت عنوان : «الإنسان ذلك المجهول » . ...