{ فاطلع } ذلك الرجل المؤمن ومعه إخوانه على أهل النار . فرآه فى سواء الجحيم ، أى : فرأى ذلك الرجل الذى كان قرينه وصاحبه الملازم له فى الدنيا ، ملقى به فى { سَوَآءِ الجحيم } أى : فى وسط النار ، وسمى الوسط سواء لاستواء المسافة منه إلى باقى الجوانب .
قال الآلوسى : واطلاع أهل الجنة على أهل النار ، ومعرفة من فيها ، مع ما بينهما من التباعد غير بعيد بأن يخلق الله - تعالى - فيهم حدة النظر ، ويعرفهم من أرادوا الاطلاع عليه .
ولعلهم - إن أرادوا ذلك - وقفوا على الأعراف . فاطعلوا على من أرادوا الاطلاع عليه من أهل النار . وقبل : إن لهم طاقات فى الجنة ينظرون منها من علو إلى أهل النار ، وعلم القائل بأن القرين من أهل النار ، لأنه كان منكرا للبعث
وقوله : فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ يقول : فاطلع في النار فرآه في وَسَط الجحيم . وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره ، وهو فقالوا : نعم . وبنحو الذي قلنا في تأويل قوله : فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحيمِ قال : أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني عليّ ، قال : حدثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن عليّ ، عن ابن عباس ، قوله : فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ يعني : وفي وَسَط الجحيم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس فِي سِواءِ الجَحِيمِ يعني : في وسط الجحيم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا عباد بن راشد ، عن الحسن ، في قوله : فِي سَواءِ الجَحِيمِ يقول : في وسط الجحيم .
حدثنا ابن سنان ، قال : حدثنا عبد الصمد ، قال : حدثنا عباد بن راشد ، قال : سمعت الحسن ، فذكر مثله .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا سليمان بن حرب ، قال : حدثنا أبو هلال ، قال : حدثنا قتادة ، في قوله : سَوَاءِ الجَحِيمِ قال : وَسَطها .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : هَلْ أنْتُمْ مُطّلِعُونَ قال : سأل ربه أن يطلعه ، قال فأطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحيمِ : أي في وسط الجحيم .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، عن خليد العصري ، قال : لولا أن الله عرّفه إياه ما عرفه ، لقد تغيّر حِبْرُه وسِبْرُه بعده ، وذُكر لنا أنه اطلع فرأى جماجم القوم ، فقال : تاللّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ وَلَوْلا نِعْمَةُ رَبّي لَكُنْتُ مِنَ المُحْضَرِينَ .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا إبراهيم بن أبي الوزير ، قال : حدثنا سفيان بن عيينة ، عن سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن مطرّف بن عبد الله ، في قوله : فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ قال : والله لولا أنه عرّفه ما عرفه ، لقد غيرت النار حِبْرَهُ وسِبْره .
حدثنا محمد بن الحسين ، قال : حدثنا أحمد ، قال : حدثنا أسباط ، عن السديّ ، قوله : هَلْ أنْتُمْ مُطّلِعُونَ قال : كان ابن عباس يقرؤها : «هَلْ أنْتُمْ مُطّلِعُونِي فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيم » قال : في وسط الجحيم .
وهذه القراءة التي ذكرها السديّ ، عن ابن عباس ، أنه كان يقرأ في مُطّلِعُونَ إن كانت محفوظة عنه ، فإنها من شواذّ الحروف ، وذلك أن العرب لا تؤثر في المكني من الأسماء إذا اتصل بفاعل على الإضافة في جمع أو توحيد ، لا يكادون أن يقولوا أنت مُكَلّمني ولا أنتما مكلماني ولا أنتم مكلموني ولا مكلمونني ، وإنما يقولون أنت مكلّمي ، وأنتما مكلماي ، وأنتم مكلّميّ وإن قال قائل منهم ذلك قاله على وجه الغلط توهما به : أنت تكلمني ، وأنتما تكلمانني ، وأنتم تكلمونني ، كما قال الشاعر :
وَما أدْرِي وَظَنّي كُلّ ظَنّ *** أَمُسْلِمُنِي إلى قَوْمِي شَرَاحِي ؟
فقال : مسلمني ، وليس ذلك وجه الكلام ، بل وجه الكلام أمسلمي فأما إذا كان الكلام ظاهرا ولم يكن متصلاً بالفاعل ، فإنهم ربما أضافوا ، وربما لم يضيفوا ، فيقال : هذا مكلم أخاك ، ومكلم أخيك ، وهذان مكلما أخيك ، ومكلمان أخاك ، وهؤلاء مكلمو أخيك ، ومكلمون أخاك وإنما تختار الإضافة في المكني المتصل بفاعل لمصير الحرفين باتصال أحدهما بصاحبه ، كالحرف الواحد .
وقرأ الجمهور «فاطّلع » بصلة الألف وشد الطاء المفتوحة ، وقرأ أبو عمرو في رواية حسن «فأُطْلِع » بضم الألف وسكون الطاء وكسر اللام ، وهي قراءة أبي البرهسم ، قال الزجاج هي قراءة من قرأ «مطلِعون » بكسر اللام ، وروي أن لأهل الجنة كوى وطاقات يشرفون منها على أهل النار إذا شاؤوا على جهة النقمة والعبر لأنهم لهم في عذاب أهل الناس وتوبيخهم سرور وراحة ، حكاه الرماني عن أبي علي ، و { سواء الجحيم } وسطه قال ابن عباس والحسن : والناس ، وسمي { سواء } لاستواء المسافة منه إلى الجوانب ، و { الجحيم } متراكم جمر النار ، وروي عن مطرف بن عبد الله وخليد العصري{[9858]} أنه رآه قد تغير خبره وسبره{[9859]} أي تبدلت حاله ولولا ما عرفه الله إياه لم يميزه ، فقال له المؤمن عند ذلك { تالله إن كدت لتردين } .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"فاطّلَعَ فَرآهُ فِي سَوَاءِ الجَحِيمِ" يقول: فاطلع في النار فرآه في وَسَط الجحيم. وفي الكلام متروك استغني بدلالة الكلام عليه من ذكره، وهو فقالوا: نعم.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
سمي {سواء} لاستواء المسافة منه إلى الجوانب، و {الجحيم} متراكم جمر النار.
روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني للآلوسي 1270 هـ :
اطلاعهم إياه باعتبار التسبب، كأنه لما أراد الاطلاع وأحب أن لا يستبد به أدباً، عرض عليهم أن يطلعوا، فرغبوا وأطلعوا، فكان ذلك وسيلة إلى اطلاعه فكأنهم هم الذين أطلعوه.
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{فاطَّلعَ} اكتفاء، أي فاطّلع واطّلعوا فرآه ورأوه في سواء الجحيم إذ هو إنما عرض عليهم الاطّلاع ليعلموا تحقيق ما حدّثهم عن قرينه، واقتصر على ذكر اطلاعه هو دون ذكر اطلاع رفقائه لأنه ابتدأ بالاطّلاع ليميز قرينه فيريه لرفقائه