البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي - أبو حيان  
{فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ} (55)

وقرىء : فأطلع ، مشدداً مضارعاً منصوباً على جواب الاستفهام .

فاطلع مخففاً فعلاً ماضياً ، وفاطلع مخففاً مضارعاً منصوباً .

وقرأ أبو البرهسم ، وعمار بن أبي عمار فيما ذكره خلف عن عمار : مطلعون ، بتخفيف الطاء وكسر النون ، فاطلع ماضياً مبنياً للمفعول ؛ ورد هذه القراءة أبو حاتم وغيره .

لجمعها بين نون الجمع وياء المتكلم .

والوجه مطلعي ، كما قال ، أو مخرجي هم ، ووجهها أبو الفتح على تنزيل اسم الفاعل منزلة المضارع ، وأنشد الطبري على هذا قول الشاعر :

وما أدري وظني كل ظن *** أمسلمني إلى قومي شراحي

قال الفراء : يريد شراحيل .

وقال الزمخشري : يريد مطلعون إياي ، فوضع المتصل موضع المنفصل كقوله :

هم الفاعلون الخير والآمرونه . . .

أو شبه اسم الفاعل في ذلك بالمضارع لتآخ بينهما ، كأنه قال : تطلعون ، وهو ضعيف لا يقع إلا في الشعر . انتهى .

والتخريج الثاني تخريخ أبي الفتح ، وتخريجه الأول لا يجوز ، لأنه ليس من مواضع الضمير المنفصل ، فيكون المتصل وضع موضعه ، لا يجوز هند زيد ضارب إياها ، ولا زيد ضارب إياي ، وكلام الزمخشري يدل على جوازه ، فالأولى تخريج أبي الفتح ، وقد جاء منه :

أمسلمني إلى قومي شراحي . . .

وقول الآخر :

فهل فتى من سراة القوم يحملني *** وليس حاملني إلا ابن خَمال

وقال الآخر :

وليس بمعييني . . .

فهذه أبيات ثبت التنوين فيها مع ياء المتكلم ، فكذلك ثبتت نون الجمع معها إجراء للنون مجرى التنوين ، لاجتماعهما في السقوط للإضافة .

ويقال : طلع علينا فلان واطلع بمعنى واحد .

ومن قرأ : فاطلع مبنياً للمفعول ، فضميره القائل الذي هو المفعول الذي لم يسم فاعله ، وهو متعد بالهمزة ، إذ يقول : طلع زيد وأطلعه غيره .

وقال صاحب اللوامح : طلع واطلع ، إذا بدا وظهر ؛ واطلع اطلاعاً ، إذا أقبل وجاء مبنياً ، ومعنى ذلك : هل أنتم مقبلون ؟ فأقبل .

وإن أقيم المصدر فيه مقام الفاعل بتقديره فاطلع الاطلاع ، أو حرف الجر المحذوف ، أي فاطلع به ، لأنه اطلع لازم ، كما أن أقبل كذلك . انتهى .

وقد ذكرنا أن أطلع عدى بالهمزة من طلع اللازم ، وأما قوله : أو حرف الجر المحذوف ، أي فاطلع ، به فهذا لا يجوز ، لأن مفعول ما لم يسم فاعله لا يجوز حذفه ، لأنه نائب عن الفاعل .

فكما أن الفاعل لا يجوز حذفه دون عامله ، فكذلك هذا .

لو قلت : زيد ممدود أو مغضوب ، تريد به أو عليه ، لم يجز .

و { سواء الجحيم } : وسطها ، تقول : تعبت حتى انقطع سوائي .

قال ابن عباس : سمي سواء لاستواء المسافة منه إلى الجوانب ، يعني سواء الجحيم .

وقال خليل العصري : رآه : تبدلت حاله ، فلولا ما عرفه الله به لم يعرفه