معاني القرآن للفراء - الفراء  
{فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ} (55)

وقوله : { هَلْ أَنتُمْ مُّطَّلِعُونَ54 }

هذا رجل مِنْ أهِل الجنّة ، قد كان له أخ من أهْل الكفرِ ، فأحبَّ أن يَرى مَكانة فَيأذَنَ الله له ، فيطّلع في النار ويخاطبه . فإذا رآه قال { تَاللّهِ إنْ كِدْتَ لَتُرْدِين } وفي قراءة عَبد الله ( إنْ كِدْت لَتُغْوِين ) ، ولولا رحمة ربى { لَكُنتُ مِنَ المُحْضَرِينَ } أي معك في النار مُحْضَرا . يقول الله { لِمثْلِ هَذَا فَلْيَعْمَلِ العَامِلُونَ } وهذا منْ قول الله .

وقد قرأ بعض القُرّاء { قَالَ هَلْ أَنْتُمْ مُطْلِعُونِ فأُطْلِعَ } فكسر النون . وهو شاذّ ؛ لأنَّ العرب لا تختار على الإضافة إذا أسندوا فاعلاً مجموعاً أو موحّداً إلى اسم مكنّى عنه . فمن ذلكَ أن يقولوا : أنت ضاربي . ويقولون للاثنين : أنتما ضاربي ، وللجميع : أنتم ضارِبِيَّ ، ولا يقولوا للاثنين : أنتما ضاربانني ولا للجميع : ضَاربونَني . وإنّما تكون هَذه النون في فعل ويفعل ، مثل ( ضربوني ويضربني وضربني ) . وربما غلِط الشاعر فيذهب إلى المعنى ، فيقول : أنتَ ضاربُني ، يتوهّم أنه أراد : هَل تضربني ، فيكون ذلك على غير صحَّة .

قال الشاعر :

هل الله من سَرْو العَلاَة مُرِيحُنِي *** وَلَما تَقَسَّمْنى النِّبَارُ الكوانِسُ

النِّبْر : دابَّة تشبه القُرَاد . وَقَالَ آخر :

وما أدرى وظنَّي كلُّ ظنٍّ *** أمسلُمِني إلى قَومٍ شَرَاحِ

159 ا يريد : شراحيل ولم يقل : أمسلمِيّ . وهو وَجه الكلام . وقال آخر :

هم القائلُون الخيرَ والفاعلونَه *** إذا ما خَشُوا من محدَث الأمر مُعْظَما

ولم يقل : الفاعلوه . وهو وجه الكلام .

وإنما اختاروا الإضَافة في الاسم المكنّى لأنَهُ يخلتط بما قبله . فيصِير الحرفان كالحرف الواحد . فلذلكَ اسْتحبُّوا الإضَافة في المكنّى ، وقالوا : هما ضاربانِ زيداً ، وضاربَا زيدٍ ؛ لأن زيدا في ظهوره لا يختلط بما قبله ؛ لأنه ليسَ بحرفٍ وَاحِدٍ والمكنّى حرف .

فأما قوله { فأُطْلِعَ } فإنه يكون على جهة فُعِل ذلكَ به ، كَما تقول : دعَا فأجيب يَا هذا . ويكون : هَل أنتم مُطْلِعونِ فأَطَّلِعَ أنا فيَكون منصوباً بجوابِ الفاء .