تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{فَٱطَّلَعَ فَرَءَاهُ فِي سَوَآءِ ٱلۡجَحِيمِ} (55)

الآيتان 54 و55 [ وقوله تعالى ]{[17737]} : { قال هل أنتم مُطّلِعون } كأنه قال لأصحابه : هل أنتم مطّلعون في النار ؟ [ لتنظروا حاله ]{[17738]} ، ثم أخبر أنه اطلع { فرآه في سواء الجحيم } .

ذكر اطلاعه ، ولم يذكر اطلاع أصحابه . فجائز أن يكون أخبر عن اطلاع كل واحد منهم في نفسه أنه اطلع { فرآه في سواء الجحيم } أي وسط الجحيم . وإن كانوا جميعا مطّلعين إليه فيها ، كقوله عز وجل : { يا أيها الإنسان إنك كادح } [ الانشقاق : 6 ] وقوله : { يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم } [ الانفطار : 6 ] وإن كان خاطب إنسانا فكأنه{[17739]} خاطب به كل إنسان في نفسه .

فعلى ذلك جائز أن يكون قوله عز وجل { فاطّلع فرآه في سواء الجحيم } أنه{[17740]} أخبر عن اطلاع كل منهم ، والله أعلم ، وكانوا جميعا مطّلِعين .

ثم في الآية شيئان{[17741]} عجيبان :

أحدهما : ما ذكر من اطّلاع أهل الجنة على أهل النار [ أن النار ]{[17742]} تكون قريبة من الجنة حتى ينظر بعضهم إلى بعض { فيروا كم[ {[17743]} تكون بعيدة منها . إلا أن أبصار أهل الجنة تكون أبعد وأبصر مما تكون في الدنيا .

فجائز أن يجعل الله عز وجل أبصار أهل الآخرة أبصر وأبعد حتى لا يمنعه بُعد المسافة والمكان عن النظر والرؤية ، والله أعلم .

والثاني : أن يعرّفه في النار { والنار تحرقه ، وتغير ]{[17744]} وجهه ولونه ، وجميع أعلامه ، وسيماه .

لكن جائز أن يكون الله عز وجل يعرّفه بأعلام [ تجعل له ]{[17745]} فيعرّفه بتلك الأعلام ، وذلك على الله عز وجل يسير هيّن .

وأهل التأويل يقولون : يجعل الله عز وجل لأهل الجنة كوىً فيها : إذا أراد أن ينظر أحدهم إلى من في النار فتح الله له كوّة ، ينظر إلى من يشاء من مقعده إلى النار ، فيزداد بذلك شكرا ، وهو قوله : { فاطلع فرآه في سواء الجحيم } أي في وسط الجحيم كقوله عز وجل { سواء السبيل } [ المائدة : 12 ] أي وسطه .

الآية 56 [ وقوله تعالى ]{[17746]} : { قال تالله إن كدت لتُردينِ } أي هممت لتُغويني . وكذا في حرف ابن مسعود { لتُردين } لتغويني .

وقال الكسائي : تالله ، و : بالله ، و : والله بغير واو لغات . يخبر أن بالله يكون على الأسف مرجعها إلى سفاه : يقول : لولا أن الله أنعم عليّ بالهدى ، ولولا أن الله رحمني ، فهداني ، المعنى واحد ، يقول له : اترك دينك ، واتبعني .

و { قال تالله إن كدت لتُردينِ } أي لتُهلِكني ، يقال : رديت فلانا ، أي أهلكته ، والرّدى الموت والهلاك ، وهو قول أبي عوسجة والقتبي .

وقوله تعالى : { لمدينون } قال بعضهم : لمُحاسَبون ، وقال أبو عوسجة والقتبي : لمجزيّون . والدين الجزاء .

وقال [ بعضهم ]{[17747]} : { بيض مكنون } أي مستور ، لا يصيبه غبار ولا وسخ ، وقوله : { إن كدت لتدرين } أي هممت ، وأردت أن تهلكني ، وتغويني ، لو أجبتك ، واتبعتك ، في ما دعوتني إليه ، وسألتني .


[17737]:ساقطة من الأصل و م.
[17738]:في الأصل: لنظر ماله، في م، لينظر ما حاله.
[17739]:في الأصل و م: فإنما.
[17740]:في الأصل و م: إنما.
[17741]:في الأصل و م: سببان.
[17742]:في الأصل و م: أنها.
[17743]:في الأصل و م: فيرون أن.
[17744]:في الأصل: والنار مما تحرقه وتفنى، في م، ما يحرقه ويفنى.
[17745]:من م، في الأصل: يجعله.

[17746]:. ساقطة من الأصل و م.
[17747]:ساقطة من الأصل و م.