قوله تعالى : { نمتعهم قليلاً } أي : نمهلهم ليتمتعوا بنعيم الدنيا قليلاً إلى انقضاء آجالهم ، { ثم نضطرهم } ثم نلجئهم ونردهم في الآخرة ، { إلى عذاب غليظ } وهو عذاب النار{ ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون* لله ما في السموات والأرض إن الله هو الغني الحميد } .
{ نُمَتِّعُهُمْ قَلِيلاً } فى هذه الحياة الدنيا . أن نمتعهم تمتيعا قليلا فى دنياهم ، بأن نعظيم الأموال والأولاد فى سبيل يالاستدراج .
{ ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ } أى نعطيهم فى حياتهم القصيرة ما يتمتعون به من مال وصحة . . ثم نلجئهم وندفعهم دفعا يوم القيامة الى عذاب مروع فظيع ، لضخامة ثقله ، وشدة وقعه .
والمراد بالاضطرار : الإِلجاء والقسر والإِلزام ، أى : أنهم لا يستطيعون التفلت أو الانفكاك عن هذا العذاب الذى أعد لهم .
ووصف - سبحانه - العذاب بالغلظ ، لزيادة تهويله وشدته . فهو ثقيل عليهم ثقل الأجرام الضخمة التى تهوى على رأس الإِنسان ، فتشل حركته وتهلكه .
ومتاع الحياة الذي يخدعه قليل ، قصير الأجل ، زهيد القيمة . . ( نمتعهم قليلا ) . . والعاقبة بعد ذلك مروعة فظيعة وهو مدفوع إليها دفعا لا يملك لها ردا : ( ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ ) . . ووصف العذاب بالغلظ يجسمه - على طريقة القرآن - والتعبير بالاضطرار يلقي ظل الهول الذي يحاول الكافر ألا يواجهه ، مع العجز عن دفعه ، أو التلكؤ دونه ! فأين هذا ممن يسلم وجهه إلى الله ويستمسك بالعروة الوثقى ، ويصير إلى ربه في النهاية هادىء النفس مطمئن الضمير ?
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{نمتعهم قليلا} في الدنيا إلى آجالهم.
{ثم نضطرهم} نصيرهم {إلى عذاب غليظ} يعني شديد لا يفتر عنهم.
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"نُمَتّعُهُمْ قَلِيلاً" يقول: نمهلهم في هذه الدنيا مهلاً قليلاً يتمتعون فيها، "ثُمّ نَضْطّرّهُمْ إلى عَذَاب غَلِيظٍ "يقول: ثم نوردهم على كره منهم عذابا غليظا، وذلك عذاب النار، نعوذ بالله منها، ومن عمل يقرّب منها.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{نمتعهم قليلا} أي في الدنيا لأن متاع الدنيا قليل، أي يمتعون، وينعمون بذلك القليل {ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ} يذكر هذا مقابل ما ذكر لأهل الجنة حين قال: {خالدين فيها لا يبغون عنها حولا} [الكهف: 108] فيخبر أن أهل النار يضطرون، ويدفعون إلى النار، لا أنهم يدخلونها اختيارا {يوم يدعون إلى نار جهنم دعا} [الطور: 13].
{غليظ} جائز أن يكون كناية عن امتداده وطوله، وجائز أن يكون كناية عن شدته وألمه وجراحته... وقيل: يغلظ عليهم العذاب لونا بعد لون.
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
{نُمَتّعُهُمْ} زماناً {قَلِيلاً} بدنياهم {ثُمَّ نَضْطَرُّهُمْ إلى عَذَابٍ غَلِيظٍ} شبه إلزامهم التعذيب وإرهاقهم إياه باضطرار المضطرُّ إلى الشيء الذي لا يقدر على الانفكاك منه. والغلظ: مستعار من الأجرام الغليظة، والمراد: الشدّة والثقل على المعذّب.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
ولما تشوف المسلم إلى إهلاك من هذا شأنه وإلى العلم بمدة ذلك، وكان من طبع الإنسان العجلة، أجاب من يستعجل بقوله عائداً إلى مظهر العظمة التي يتقاضاها إدلال العدو وإعزاز الولي: {نمتعهم قليلاً} أي من الزمان ومن الحظوظ وإن جل ذلك عند من لا علم له، فلا تشغلوا أنفسكم بالاستعجال عليهم فإن كل آت قريب. فكان المعنى: فنصيرّهم بذلك الأخذ {إلى عذاب غليظ} أي شديد ثقيل، لا ينقطع عنهم أصلاً ولا يجدون لهم منه مخلصاً من جهة من جهاته، فكأنه في شدته وثقله جرم غليظ جداً إذا برك على شيء لا يقدر على الخلاص منه.
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ومتاع الحياة الذي يخدعه قليل، قصير الأجل، زهيد القيمة.. (نمتعهم قليلا).. والعاقبة بعد ذلك مروعة فظيعة وهو مدفوع إليها دفعا لا يملك لها ردا.
(ثم نضطرهم إلى عذاب غليظ).. ووصف العذاب بالغلظ يجسمه -على طريقة القرآن- والتعبير بالاضطرار يلقي ظل الهول الذي يحاول الكافر ألا يواجهه، مع العجز عن دفعه، أو التلكؤ دونه! فأين هذا ممن يسلم وجهه إلى الله ويستمسك بالعروة الوثقى، ويصير إلى ربه في النهاية هادئ النفس مطمئن الضمير؟
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والتمتيع: العطاء الموقت فهو إعطاء المتاع.
{قليلاً} صفة لمصدر مفعول مطلق، أي تمتيعاً قليلاً، وقلته بالنسبة إلى ما أعدّ الله للمسلمين أو لقلة مدته في الدنيا بالنسبة إلى مدة الآخرة
الحق سبحانه يبين لكل مؤمن ألاّ يغتر بحال الكفار حين يراهم في حال رغد من العيش، وسعة وعافية وتمكن؛ لأن ذلك كله متاع قليل، والحق سبحانه يريد من أتباع الأنبياء أن يدخلوا الدين على أنه تضحية لا مغنم. هذا التمتع بزينة الحياة الدنيا ما هو إلا استدراج لهم لا تكريم.
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وكم يختلف حال هؤلاء الذين يجرّون ويُسحبون بذلّة وإكراه إلى العذاب الإلهي الغليظ، وحال اُولئك الذين وضعوا كلّ وجودهم في طريق العبودية لله سبحانه، واستمسكوا بالعروة الوثقى، فهم يعيشون في هذه الدنيا طاهرين صالحين، وفي الآخرة يتنعّمون بجوار رحمة الله.