قوله تعالى : { اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون } قال قتادة : كان حبيب في غار يعبد الله ، فلما بلغه خبر الرسل أتاهم فأظهر دينه ، فلما انتهى حبيب إلى الرسل قال لهم : تسألون على هذا أجراً ؟ قالوا : لا ، فأقبل على قومه فقال : ( ( يا قوم اتبعوا المرسلين اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون ) ) ، فلما قال ذلك قالوا له : وأنت مخالف لديننا ومتابع دين هؤلاء الرسل ومؤمن بإلههم ؟ فقال : { ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } قرأ حمزة و يعقوب : ( ( مالي ) ) بإسكان الياء ، والآخرون بفتحها . قيل : أضاف الفطرة إلى نفسه والرجوع إليهم ، لأن الفطرة أثر النعمة ، وكانت عليه أظهر ، وفي الرجوع معنى الزجر وكان بهم أليق . وقيل : إنهم لما قال : اتبعوا المرسلين ، أخذوه فرفعوه إلى الملك ، فقال له الملك : أفأنت تتبعهم ؟ فقال : ( ( ومالي لا أعبد الذي فطرني ) ) ، يعني وأي شيء لي إذا لم أعبد الخالق { وإليه ترجعون } تردون عند البعث فيجزيكم بأعمالكم .
ثم ذكر تأييدا لما شهد به ودعا إليه ، فقال : { اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا } أي : اتبعوا من نصحكم نصحا يعود إليكم بالخير ، وليس [ يريد منكم أموالكم ولا أجرا على نصحه لكم وإرشاده إياكم ، فهذا موجب لاتباع من هذا وصفه .
بقي ] أن يقال : فلعله يدعو ولا يأخذ أجرة ، ولكنه ليس على الحق ، فدفع هذا الاحتراز بقوله : { وَهُمْ مُهْتَدُونَ } لأنهم لا يدعون إلا لما يشهد العقل الصحيح بحسنه ، ولا ينهون إلا بما يشهد العقل الصحيح بقبحه .
إن الذي يدعو مثل هذه الدعوة ، وهو لا يطلب أجراً ، ولا يبتغي مغنماً . . إنه لصادق . وإلا فما الذي يحمله على هذا العناء إن لم يكن يلبي تكليفاً من الله ? ما الذي يدفعه إلى حمل هم الدعوة ? ومجابهة الناس بغير ما ألفوا من العقيدة ? والتعرض لأذاهم وشرهم واستهزائهم وتنكيلهم ، وهو لا يجني من ذلك كسباً ، ولا يطلب منهم أجراً ?
( اتبعوا من لا يسألكم أجراً ) . . ( وهم مهتدون ) . .
وهداهم واضح في طبيعة دعوتهم . فهم يدعون إلى إله واحد . ويدعون إلى نهج واضح . ويدعون إلى عقيدة لا خرافة فيها ولا غموض . فهم مهتدون إلى نهج سليم ، وإلى طريق مستقيم .
وذُكر أنه لما أتى الرسل سألهم : هل يطلبون على ما جاءوا به أجرا ؟ فقالت الرسل : لا ، فقال لقومه حينئذٍ : اتبعوا من لا يسألكم على نصيحتهم لكم أجرا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قال : لما انتهى إليهم ، يعني إلى الرسل ، قال : هل تسألون على هذا من أجر ؟ قالوا : لا ، فقال عند ذلك : يا قَوْمِ اتّبِعُوا المُرْسَلِينَ اتّبِعوا مَنْ لا يَسأَلُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا سلمة ، عن ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس ، وعن كعب الأحبار ، وعن وهب بن منبه اتّبِعُوا مَنْ لا يَسألُكُمْ أجْرا وَهُمْ مُهْتَدُونَ : أي لا يسألونكم أموالكم على ما جاؤوكم به من الهدى ، وهم لكم ناصحون ، فاتبعوهم تهتدوا بهداهم .
وقوله : وَهُمْ مُهْتَدُونَ يقول : وهم على استقامة من طريق الحقّ ، فاهتدوا أيها القوم بهداهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.