{ فقالوا على الله توكلنا } ، اعتمدنا ، ثم دعوا فقالوا ، { ربنا لا تجعلنا فتنةً للقوم الظالمين } ، أي : لا تظهرهم علينا ولا تهلكنا بأيديهم ، فيظنوا أنا لم نكن على الحق فيزدادوا طغياناً . وقال مجاهد : لا تعذبنا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على الحق لما عذبوا ويظنوا أنهم خير منا فيفتتنوا .
القول في تأويل قوله تعالى : { فَقَالُواْ عَلَىَ اللّهِ تَوَكّلْنَا رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لّلْقَوْمِ الظّالِمِينَ } .
يقول تعالى ذكره : فقال قوم موسى لموسى : عَلى اللّهِ تَوَكّلْنا أي به وثقنا ، وإليه فوّضنا أمرنا . وقوله : رَبّنا لا تجعلنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ يقول جلّ ثناؤه مخبرا عن قوم موسى أنهم دعوا ربهم فقالوا : يا ربنا لا تختبر هؤلاء القوم الكافرين ، ولا تمتحنهم بنا يعنون قوم فرعون .
وقد اختلف أهل التأويل في المعنى الذي سألوه ربهم من إعادته ابتلاء قوم فرعون بهم ، فقال بعضهم : سألوه أن لا يظهرهم عليهم ، فيظنوا أنهم خير منهم وأنهم إنما سلطوا عليهم لكرامتهم عليه وهوان الاَخرين . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز ، في قوله : رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ قال : لا يظهروا علينا فيروا أنهم خير منا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا الحجاج ، قال : حدثنا حماد ، عن عمران بن حدير ، عن أبي مجلز في قوله : رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ قال : قالوا : لا تظهرهم علينا فيروا أنهم خير منا .
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن أبيه ، عن أبي الضحى : رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ قال : لا تسلطهم علينا فيزدادوا فتنة .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : لا تسلطهم علينا فيفتنونا . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع ، قال : حدثنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ لا تسلطهم علينا فيفتنونا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ، في قوله : رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ قال : لا تسلطهم علينا فيضلونا .
حدثنا الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا ابن عيينة ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله . وقال أيضا : فيفتنونا .
حدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ لا تعذّبنا بأيدي قوم فرعون ، ولا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على حقّ ما سلطنا عليهم ولا عذّبوا ، فيفتنوا بنا .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله : لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ قال : لا تعذبّنا بأيدي قوم فرعون ولا بعذاب من عندك ، فيقول قوم فرعون : لو كانوا على حقّ ما سلطنا عليهم ولا عذّبوا ، فيفتتنوا بنا .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا حكام ، عن عنبسة ، عن محمد بن عبد الرحمن ، عن القاسم بن أبي بزّة ، عن مجاهد ، قوله : لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ قال : لا تصبنا بعذاب من عندك ولا بأيديهم فيفتتنوا ويقولوا : لو كانوا على حقّ ما سلطنا عليهم وما عذّبوا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله تعالى : رَبّنَا لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً للقَوْمِ الظّالِمِينَ لا تبتلنا ربنا فتجهدنا وتجعله فتنة لهم هذه الفتنة . وقرأ : فِتْنَةً للظّالمينَ قال المشركون حين كانوا يؤذون النبيّ صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ويرمونهم : : أليس ذلك فتنة لهم ، وسوءا لهم ؟ وهي بلية للمؤمنين .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن القوم رغبوا إلى الله في أن يجيرهم من أن يكونوا محنة لقوم فرعون وبلاء ، ولك ما كان لهم مَصَدّة عن اتباع موسى والإقرار به وبما جاءهم به ، فإنه لا شكّ أنه كان لهم فتنة ، وكان من أعظم الأمور لهم إبعادا من الإيمان بالله ورسوله . وكذلك من المَصَدّة كان لهم عن الإيمان ، أن لو كان قوم موسى عاجلتهم من الله محنة في أنفسهم من بلية تنزل بهم ، فاستعاذ القوم بالله من كل معنى يكون صادا لقوم فرعون عن الإيمان بالله بأسبابهم .
وقد كان صادق إيمانهم مع نور الأمر النبوي الذي واجههم به نبيئهم مسرعاً بهم إلى التجرد عن التخوف والمصانعة ، وإلى عقد العزم على التوكل على الله ، فلذلك بادروا بجوابه بكلمة { على الله توكلنا } مشتملة على خصوصية القصر المقتضي تجردهم عن التوكل على غير الله تعالى .
وأشير إلى مبادرتهم بأن عطفت جملة قولهم ذلك على مقالة موسى بفاء التعقيب خلافاً للأسلوب الغالب في حكاية جمل الأقوال الجارية في المحاورات أن تكون غير معطوفة ، فخولف مقتضى الظاهر لهذه النكتة .
ثم ذيَّلوا كلمتهم بالتوجه إلى الله بسؤالهم منه أن يقيهم ضر فرعون ، ناظرين في ذلك إلى مصلحة الدين قبل مصلحتهم لأنهم إن تمكن الكفرة من إهلاكهم أو تعذيبهم قويت شوكة أنصار الكفار فيقولون في أنفسهم : لو كان هؤلاء على الحق لما أصابهم ما أصابهم فيفتتن بذلك عامةُ الكفرة ويظنون أن دينهم الحق .
والفتنة : تقدم تفسيرها آنفاً . وسموا ذلك فتنة لأنها تزيد الناس توغلا في الكفر ، والكفر فتنة . والفتنة مصدر . فمعنى سؤالهم أن لا يجعلهم الله فتنة هو أن لا يجعلهم سبب فتنة ، فتعدية فعل { تجعلنا } إلى ضميرهم المخبر عنه بفتنة تعدية على طريقة المجاز العقلي ، وليس الخبر بفتنة من الإخبار بالمصدر إذ لا يفرضون أن يكونوا فاتنين ولا يسمح المقام بأنهم أرادوا لا تجعلنا مفتونين للقوم الظالمين .
ووصفوا الكفار ب { الظالمين } لأن الشرك ظلم ، ولأنه يشعر بأنهم تلبسوا بأنواع الظلم : ظلم أنفسهم ، وظلم الخلائق ، ثم سألوا ما فيه صلاحهم فطلبوا النجاة من القوم الكافرين ، أي من بطشهم وإضرارهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.