اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{فَقَالُواْ عَلَى ٱللَّهِ تَوَكَّلۡنَا رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّـٰلِمِينَ} (85)

ثم بيَّن - تعالى - أنَّ موسى - عليه الصلاة والسلام - لمَّا أمرهم بذلك قبلوا قوله { فَقَالُواْ على الله تَوَكَّلْنَا } أي : توكُّلُنا عليه واعتمادنا ، ولم نلتفت إلى أحد سواه ، ثم اشتغلوا بالدعاء ، وطلبوا من الله شيئين :

أحدهما : أن قالوا : { رَبَّنَا لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين } .

والثاني : { وَنَجِّنَا بِرَحْمَتِكَ مِنَ القوم الكافرين } أما قولهم : { لاَ تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِّلْقَوْمِ الظالمين } ففيه وجوه :

الأول : لا تفتن بنا فرعون وقومه ؛ لأنك لو سلطَّتهُم علينا ، لوقع في قلوبهم أنَّا لو كنَّا على الحقِّ ، لما سلَّطتهُم علينا ؛ فيصير ذلك شبهةً قويَّةً في إصرارهم على الكفر ؛ فيكون ذلك فتنةً لهم .

الثاني : لو سلَّطتهُم علينا ، لاستوجبُوا العقاب الشَّديد في الآخرة ، وذلك يكون فتنة لهم .

الثالث : أنَّ المراد بالفتنة المفتُون ؛ لأنَّ إطلاق لفظ المصدر على المفعول جائز ، كالخلق بمعنى المخلوق والتقدير : لا تَجٍْعلْنا مفْتُونين بأنَّ يقهَرُونا بالظُّلْمِ على أن ننصرف من هذا الدِّين الذي قبلناهُ ، ويؤكِّد هذا قوله : { فَمَآ آمَنَ لموسى إِلاَّ ذُرِّيَّةٌ مِّن قَوْمِهِ على خَوْفٍ مِّن فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَن يَفْتِنَهُمْ } [ يونس : 83 ] .