ثم وبخهم - سبحانه - على عدم تفكرهم فى خلق أنفسهم فقال : { أَمْ خُلِقُواْ مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الخالقون أَمْ خَلَقُواْ السماوات والأرض بَل لاَّ يُوقِنُونَ } .
أى : بل أَخُلِقُوا على هذه الكيفية البديعة ، والهيئة القويمة ، من غير أن يكون هناك خالق لهم ؟ أم هم الذين خلقوا أنفسهم بدون احتياج لخالق ؟ أم هم الذين قاموا بخلق السموات والأرض ؟
لا ، إن شيئا من ذلك لم يحدث ، فإنهم لم يُخْلَقُوا من غير شىء ، وإنما الذى خلقهم بقدرته - تعالى - هو الله وحده ، كما خلق - سبحانه - السموات والأرض بقدرته - أيضا - وهم يعترفون بذلك ، كما فى قوله - تعالى - : { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ الله } { وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله . . }
وقوله : { بَل لاَّ يُوقِنُونَ } أى : هم ليسوا على يقين من أمرهم ، وإنما هم يخبطون خبط عشواء ، فهم مع اعترافهم بأن الله - تعالى - هو الذى خلقهم ، إلا أن هذا الاعتراف صار كالعدم ، لأنهم لم يعملوا بموجبه ، من إخلاص العبادة له - تعالى - والإيمان بالحق الذى جاءهم به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عند خالقهم .
وجملة { أم خلقوا السموات والأرض } يظهر لي أنها بدل من جملة { أم هم الخالقون } بدلَ مفصَّل من مُجمل إن كان مفعول { الخالقون } المحذوفُ مراداً به العمومُ وكان المراد بالسماء والأرضضِ ذاتيهما مع من فيهما ، أو بَدل بعض من كل أن المراد ذاتي السماوات والأرض ، فيكون تخصيص السماوات والأرض بالذكر لعظم خلقهما .
وإعادة حرف { أم } للتأكيد كما يُعاد عامل المبدَل منه فِي البدل ، والمعنى : أم هم الخالقون للسماوات والأرض .
والاستفهام إنكاري والكلام كناية عن إثبات أن الله خالق السماوات والأرض .
والمعنى : أن الذي خلق السماوات والأرض لا يُعجزه إعادة الأجساد بعد الموت والفناء . وهذا معنى قوله تعالى : { أو لم يروا أن اللَّه الذي خلق السماوات والأرض قادر على أن يخلق مثلهم } [ الإسراء : 99 ] أي أن يخلق أمثال أجسادهم بعد انعدامهم .
إضراب إبطال على مضمون الجملتين اللتين قبله ، أي لم يُخلقوا من غير شيء ولا خَلقوا السماوات والأرض ، فإن ذلك بينّ لهم فما إنكارهم البعث إلا ناشىء عن عدم إيقانهم في مظانّ الإِيقان وهي الدلائل الدالة على إمكان البعث وأنه ليس أغرب من إيجاد المخلوقات العظيمة ، فما كان إنكارهم إياه إلا عن مكابرة وتصميم على الكفر .
والمعنى : أن الأمر لا هَذا ولا ذلك ولكنهم لا يُوقنون بالبعث فهم ينكرونه بدون حجة ولا شبهة بل رانَتْ المكابرة على قلوبهم .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.