واسم الإِشارة فى قوله - تعالى - : { ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْء . . }
يعود إلى من سبقت صفاته ونعمه وهو الله - عز وجل - .
و { ذَلِكُمُ } مبتدأ ، وما بعده أخبار متعددة .
أى : ذلكم الذى أعطاكم من النعم ما أعطاكم هو الله - تعالى - ربكم خالق كل شئ فى هذا الوجود . لا إله إلا هو فى هذا الكون . .
وقوله - تعالى - : { فأنى تُؤْفَكُونَ } تعجيب من انصرافهم - بعد هذه النعم - عن الحق إلى الباطل ، وعن الشكران إلى الكفران .
أى ؛ فكيف تنقلبون عن عبادته - سبحانه - إلى عبادة غيره ، مع أنه - عز وجل - هو الخالق لكل شئ ، وهو صاحب تلك النعم التى تتمتعون بها .
القول في تأويل قوله تعالى : { ذَلِكُمُ اللّهُ رَبّكُمْ خَالِقُ كُلّ شَيْءٍ لاّ إِلََهَ إِلاّ هُوَ فَأَنّىَ تُؤْفَكُونَ * كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الّذِينَ كَانُواْ بِآيَاتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ } .
يقول تعالى ذكره : الذي فعل هذه الأفعال ، وأنعم عليكم هذه النعم أيها الناس ، الله مالككم ومصلح أموركم ، وهو خالقكم وخالق كلّ شيء لا إلَهَ إلاّ هُوَ يقول : لا معبود تصلح له العبادة غيره ، فَأَنّى تُوءْفَكُونَ يقول : فأيّ وجه تأخذون ، وإلى أين تذهبون عنه ، فتعبدون سواه ؟ .
وقوله تعالى : { خالق كل شيء } مخلوق ، وما يستحيل أن يكون مخلوقاً كالقرآن والصفات فليس يدخل في هذا العموم ، وهذا كما قال تعالى : { تدمر كل شيء }{[10016]} معناه كل شيء مبعوث لتدميره .
وقرأت فرقة : «تؤفكون » بالتاء ، وقرأت فرقة : «يؤفكون » بالياء ، والمعنى في القراءة الأولى قل لهم .
و : { تؤفكون } معناه : تصرفون على طريق النظر والهدى ، وهذا تقرير بمعنى التوبيخ والتقريع .
اتصل الكلام على دلائِل التفرد بالإِلهية من قوله : { ذلكم الله رَبُّكُم خالق كلِّ شَيءٍ } إلى قوله : { مُخْلِصين له الدِّينَ } [ غافر : 62 65 ] اتصالَ الأدلة بالمستدل عليه .
والإِشارة ب { ذلكم } إلى اسم الجلالة في قوله : { الله الَّذِي جَعَلَ لَكُم الليْلَ لِتَسْكنوا فِيه } [ غافر : 61 ] . وعدل عن الضمير إلى اسم الإِشارة لإِفادة أنه تعالى معلوم متميز بأفعاله المنفرد بها بحيث إذا ذكرت أفعاله تميز عما سواه فصار كالمشاهد المشار إليه ، فكيف تلتبس إلهيته بإلهية مزعومة للأصنام فليست للذين أشركوا به شبهة تلبِّس عليهم ما لا يفعلُ مثلَ فعله ، أي ذلكم ربكم لا غيره وفي اسم الإِشارة هذا تعريض بغباوة المخاطبين الذين التبست عليهم حقيقة إلهيته .
وقوله : { الله رَبُّكم خالق كل شَيْءٍ لا إله إلا هُو } أخبار أربعة عن اسم الإِشارة ، ابتدىء فيها بالاسم الجامع لصفات الإِلهية إجمالاً ، وأردف ب { ربكم } أي الذي دبر خلق الناس وهيّأ لهم ما به قوام حياتهم . ولما كان في معنى الربوبية من معنى الخلق ما هو خَلْق خاص بالبشر بأنه خالق الأشياء كلها كما خلقهم ، وأردف بنفي الإِلهية عن غيره فجاءت مضامين هذه الأخبار الأربعة مترتبة بطريقة الترقّي ، وكان رابعها نتيجة لها ، ثم فرع عليها استفهام تعجيبي من انصرافهم عن عبادته إلى جانب عبادة غيره مع وضوح فساد إعراضهم عن عبادته .
و { أَنَّى } اسم استفهام عن الكيفية ، وأصله استفهام عن المكان فإذا جعلوا الحالة في معنى الجانب ومثار الشيء استفهموا ب ( أنّى ) عن الحالة ويشعر بذلك قوله تعالى : { أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة } في سورة [ الأنعام : 101 ] .
و { تؤفكون } تُصرفون ، وتقدم في قوله تعالى : { قاتلهم اللَّه أنّى يؤفكون } في سورة [ براءة : 30 ] ، وبناؤه للمجهول لإِجمال بسبب إعراضهم إذ سيُبين بحاصل الجملة بعده .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.