ثم قال : { هُوَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي : هو المتفرد بذلك ، لا يقدر على ذلك أحد سواه ، { فَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } أي : لا يخالف ولا يمانع ، بل ما شاء كان [ لا محالة ] {[25594]} .
القول في تأويل قوله تعالى : { هُوَ الّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قَضَىَ أَمْراً فَإِنّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ * أَلَمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِيَ آيَاتِ اللّهِ أَنّىَ يُصْرَفُونَ } .
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : قل لهم يا محمد : هوَ الّذِي يُحْيِي ويُمِيتُ يقول قل لهم : ومن صفته جل ثناؤه أنه هو الذي يحيي من يشاء بعد مماته ، ويميت من يشاء من الأحياء بعد حياته و إذَا قَضَى أمْرا يقول : وإذا قضى كون أمر من الأمور التي يريد تكوينها فإنّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ يعني للذي يريد تكوينه كن ، فيكون ما أراد تكوينه موجودا بغير معاناة ، ولا كلفة مؤنة .
قوله تعالى : { فإذا قضى أمراً } عبارة عن إنقاذ الإيجاد ، وإخراج المخلوق من العدم وإيجاد الموجودات هو بالقدرة ، واقتران الأمر بذلك : هو عظمة في الملك وتخضيع للمخلوقات وإظهار للقدرة بإيجاده ، والأمر للموجد إنما يكون في حين تلبس القدرة بإيجاده لا قبل ذلك ، لأنه حينئذ لا يخاطب في معنى الوجود والكون ولا بعد ذلك ، لأن ما هو كائن لا يقال له { كن } .
استئناف خامس ومناسبةُ موقعه من قوله : { هُوَ الذي خَلَقَكم من تُراب } إلى قوله : { ثُمَّ يُخْرِجُكم طِفْلاً } إلى { ومِنكم مَن يُتَوفَّى من قَبْلُ ولتبلغوا أجَلاً مُسَمى ولعلكم تعقِلُون } [ غافر : 67 ] فإن من أول ما يُرجَى أن يعقلوه هو ذلك التصرف البديع بخلق الحياة في الإِنسان عند تكوينه بعد أن كان جثة لا حياة فيها ، وخلق الموت فيه عند انتهاء أجله بعد أن كان حياً متصرفاً بقوته وتدبيره .
فمعنى { يحيي } يُوجِد المخلوق حيّا . ومعنى { يميت } أنه يُعدم الحياة عن الذي كان حيّاً ، وهذا هو محل العبرة . وأما إمكان الإِحياء بعد الإِماتة فمدلول بدلالة قياس التمثيل العقلي وليس هو صريح الآية . والمقصود الامتنان بالحياة تبعاً لقوله قبل هذا : { هُوَ الذي خَلَقَكم مِن تُراب } إلى قوله : { ثُمَّ يخرجكم طِفلاً } [ غافر : 67 ] .
وفي قوله : { يُحيِي ويُمِيت } المحسن البديعي المسمى الطِّباق . وفرع على هذا الخبر إخبار بأنه إذا أراد أمراً من أمور التكوين من إحياء أو إماتة أو غيرهما فإنه يقْدر على فعله دون تردّد ولا معالجة ، بل بمجرد تعلق قدرته بالمقدور وذلك التعَلق هو توجيه قدرته للإِيجاد أو الإعدام . فالفاء من قوله : { فَإذَا قَضَى } فاء تفريع الإِخبار بما بعدها على الإِخبار بما قبلها .
وقول : { كن } تمثيل لتعلق القدرة بالمقدور بلا تَأخير ولا عُدَّة ولا معاناة وعلاج بحال من يرد إذن غيره بعمل فلا يزيد على أن يوجه إليه أمراً فإن صدور القول عن القائل أسرع أعمال الإِنسان وأيسر ، وقد اختير لتقريب ذلك أخصر فعل وهو { كن } المركب من حرفين متحرك وساكن .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.