اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (68)

ثم قال : { هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } والمعنى أنه تعالى لما ذكر انتقال الأجسام من كونها تراباً إلى أن بلغت الشيخوخة ، واستدل بهذه التغييرات على وجود الإله القادر قال بعده : { هُوَ الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ } أي كما أن الانتقال من صفة إلى صفة أخرى من الصفات يدل على الإله القادر فكذلك الانتقال من الحياةِ إلى الموت وبالعكس ، يدل على الإله القادر .

( و ){[48385]} قوله : { فَإِذَا قضى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فيَكُونُ } فيه وجوه :

الأول : معناه أنه لم ينقل هذه الأجسام من صفة إلى صفة أخرى بآلةٍ تعينه إنما يقول له كن فيكون .

الثاني : أنه عبر عن الإحياء والإماتة بقوله : { كُن فيَكُونُ } فكأنه قيل : الانتقال من كونه تراباً إلى كونه نطفةً إلى كونه علقةً انتقالاتٌ تَحْصُل على التدريج قليلاً قليلا . وأما صَيْرُورَتُهُ حَيَّا فهي إنما تحصل بتعليق جَوْهَر الرُّوح ، وذلك يحدث دفعة واحدة فلهذا عبر عنه بقوله : «كن فيكون » .

الثالث : أنَّ من الناس من يقول : إن الإنسان إنما يتكون من المَنِي والدَّم في الرحم في مدة معينة بحسب الانتقالات من حال إلى حال ، فكأنه قيل : إنه{[48386]} يمتنع أن يكون{[48387]} كل إنسان عن إنسان آخرَ ؛ لأن التسلسل محالٌ ، ووقوع الحادث في الأزل محال فلا بد من الاعتراف بإنسان هو الناس وحينئذ يكون حدوث ذلك الإنسان لا بواسطة المَنِي والدم بل بإيجاد الله تعالى ، ابتداءً ، فعبر الله تعالى عن هذا المعنى بقوله : { كُن فيَكُونُ } .


[48385]:زيادة من ب.
[48386]:تصحيح من الرازي عن النسختين ففيهما: له.
[48387]:كذا في الرازي، وفي ب يقول. وانظر تفسير الإمام الرازي 27/86، 87.