نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي - البقاعي  
{هُوَ ٱلَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ} (68)

ولما نظم سبحانه هذا الدليل في صنع الآدمي من التراب ، وختمه بأن دلالته على البعث - بإجراء سنته في إرجاع أواخر الأمور على أوائلها وغير ذلك - لا يحتاج إلى غير العقل ، أنتج عنه قوله : { هو } لا غيره { الذي يحيي ويميت } كما تشاهدونه في أنفسكم وكما مضى لكم الإشارة إليه بخلق السماوات والأرض ، فإن من خلقهما خلق ما بينهما من الآجال المضروبة باختلاف الليل والنهار والشهور والأعوام لبلوغ الأفلاك مواضعها ، ثم رجوعها عوداً على بدء مثل تطوير الإنسان بعد الترابية من النطفة إلى العلقة إلى ما فوقها ، ثم رجوعه في مدارك هبوطه إلى أن تصير تراباً كما كان ، فليست النهاية بأبعد من البداية .

ولما كانت إرادته لا تكون إلا تامة نافذة ، سبب عن ذلك قوله معبراً بالقضاء : { فإذا قضى أمراً } أي أراد أيّ أمر كان من القيامة أو غيرها { فإنما يقول له كن } ولما كانت { إذا } شرطية أجابها في قراءة ابن عامر بقوله : { فيكون * } وعطفها في قراءة غيره على { كن } بالنظر إلى معناه ، أو يكون خبراً لمبتدأ أي فهو يكون ، وعبر بالمضارع تصويراً للحال وإعلاماً بالتجدد عند كل قضاء ، وقد مضى في سورة البقرة إشباع الكلام في توجيه قراءة ابن عامر بما تبين به أنها أشد من قراءة غيره .