{ وما لا تبصرون } أي بما ترون وبما لا ترون . قال قتادة : أقسم بالأشياء كلها فيدخل فيه جميع المخلوقات والموجودات . وقال : أقسم بالدنيا والآخرة . وقيل ما تبصرون : ما على وجه الأرض ، و ما لا تبصرون : ما في بطنها . وقيل : ما تبصرون : من الأجسام و ما لا تبصرون : من الأرواح . وقيل : ما تبصرون : الإنس وما لا تبصرون : الملائكة والجن . وقيل النعم الظاهرة والباطنة . وقيل : ما تبصرون : ما أظهر للملائكة واللوح والقلم : وما لا تبصرون : ما استأثر بعله فلم يطلع عليه أحداً .
الفاء فى قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ . وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } للتفريع على ما فهم مما تقدم ، من
إنكار المشركين ليوم القيامة ، ولكون القرآن من عند الله .
و { لا } فى مثل هذا التركيب يرى بعضهم أنها مزيدة ، فيكون المعنى : أقسم بما تبصرون من مخلوقاتنا كالسماء والأرض والجبال والبحار . . وبما لا تبصرون منها ، كالملائكة والجن .
يقول تعالى مُقسمًا لخلقه بما يشاهدونه من آياته في مخلوقاته الدالة على كماله في أسمائه وصفاته ، وما غاب عنهم مما لا يشاهدونه من المغيبات عنهم : إن القرآن كلامُه ووحيه وتنزيلُه على عبده ورسوله ، الذي اصطفاه لتبليغ الرسالة وأداء الأمانة ، فقال : { فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لا تُبْصِرُونَ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ } يعني : محمدًا ، أضافه إليه على معنى التبليغ ؛ لأن الرسول من شأنه أن يبلغ عن المرسل ؛ ولهذا أضافه في سورة التكوير إلى الرسول الملكي : { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ } وهذا جبريل ، عليه السلام .
ثم قال : { وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ } يعني : محمدًا صلى الله عليه وسلم { وَلَقَدْ رَآهُ بِالأفُقِ الْمُبِينِ } يعني : أن محمدا رأى جبريل على صورته التي خلقه الله عليها ، { وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ } أي : بمتهم { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ } [ التكوير : 19 - 25 ] ، وهكذا قال هاهنا : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلا مَا تُؤْمِنُونَ وَلا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلا مَا تَذَكَّرُونَ } ،
يقول تعالى ذكره : فلا ، ما الأمر كما تقولون معشر أهل التكذيب بكتاب الله ورسله ، أقسم بالأشياء كلها التي تبصرون منها ، والتي لا تبصرون . وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . ذكر من قال ذلك :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد في قوله : فَلا أُقْسِمُ بِما تُبْصِرُونَ ومَا لا تُبْصِرُونَ قال : أقسم بالأشياء ، حتى أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله : فَلا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَما لا تُبْصِرُونَ يقول : بما ترون وبما لا ترون .
وقوله تعالى : { فلا أقسم } ، قال بعض النحاة «لا » زائدة والمعنى : فأقسم ، وقال آخرون منهم : «لا » رد لما تقدم من أقوال الكفار ، والبداءة { أقسم } وقرأ الحسن بن أبي الحسن : «فلأقسم » ، لام القسم معها ألف أقسم{[11299]} ، وقوله تعالى : { بما تبصرون وما لا تبصرون } . قال قتادة بن دعامة : أراد الله تعالى أن يعمم في هذا القسم جميع مخلوقاته . وقال غيره : أراد الأجساد والأرواح . وهذا قول حسن عام ، وقال ابن عطاء : «ما تبصرون » ، من آثار القدرة { وما لا تبصرون } من أسرار القدرة ، وقال قوم : أراد بقوله : { وما لا تبصرون } الملائكة .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.