اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَا لَا تُبۡصِرُونَ} (39)

قوله : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ } .

قد تقدم مثله في آخر الواقعة ، إلا أنه قيل هاهنا : إن «لا » نافية لفعل القسم ، وكأنه قيل : لا احتياجَ أن أقسمُ على هذا ؛ لأنه حقٌّ ظاهرٌ مستغنٍ عن القسم ، ولو قيل به في الواقعة لكان حسناً .

واعلم أنه - تعالى - لما أقام الدلالة على إمكان القيامةِ ، ثم على وقوعها ، ثم ذكر أحوال السُّعداءِ ، وأحوال الأشقياء ، ختم الكلام بتعظيم القرآنِ ، فقال : { فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ } .

وقيل : المراد : أقسم ، و «لا » صلةٌ ، والمعنى أقسم بالأشياء كلها ما ترون منها وما لا ترون ، فعمَّ جميع الأشياء على الشمول ؛ لأنها لا تخرجُ عن قسمين : مبْصر وغير مبصر ، فقيل : الخالقُ والخلقُ ، والدنيا والآخرة ، والأجسام والأرواح ، والإنس والجنُّ ، والنعم الظاهرة ، والباطنة .

وإن لم تكن «لا » زائدة ، فالتقدير : لا أقسم على أنَّ هذا القرآن قول رسولٍ كريم - يعني «جبريل » ، قاله الحسن والكلبي ومقاتل - لأنه يستغنى عن القسم لوضوحه .

وقال مقاتل : سببُ نزولِ هذه الآية أن الوليد بن المغيرة قال : إنَّ محمداً ساحرٌ .

وقال أبو جهل : شاعر وليس القرآن من قول النبي صلى الله عليه وسلم . وقال عقبة : كاهن ، فقال الله تعالى : { فَلاَ أُقْسِمُ } أي : أقسم{[57822]} .

وإن قيل : «لا » نافية للقسم ، فجوابه كجواب القسم .

«إنه » يعني القرآن { لقول رسول كريم } يعني جبريل . قاله الحسن والكلبي ومقاتل ، لقوله : { لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ }[ التكوير : 19 ، 20 ] .

وقال الكلبي أيضاً والقتبي : الرسول هنا محمد صلى الله عليه وسلم لقوله : { وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ } ، وليس القرآن من قول الرسول صلى الله عليه وسلم إنما هو من قول الله - عز وجل - ونسب القول إلى الرسولِ ، لأنه تاليه ومبلغه والعامل به ، كقولنا : هذا قول مالك .

فإن قيل : كيف يكونُ كلاماً لله تعالى ، ولجبريل ، ولمحمد عليهما الصلاة والسلام ؟

فالجواب : أن الإضافة يكفي فيها أدنى ملابسةٍ ، فالله سبحانه أظهره في اللوح المحفوظ ، وجبريلُ بلغه لمحمدٍ - عليهما الصلاة والسلام - ومحمد صلى الله عليه وسلم بلغه للأمة .


[57822]:ذكره القرطبي في "تفسيره" (18/177-178).