ثم ذكر - سبحانه - طرفا من جحود الكافرين وعنادهم فقال : { وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ على بَعْضِ الأعجمين فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ } .
والأعجمين : جمع أعجم ، وهو الذى لا يفصح وفى لسانه عجمة وإن كان عربى النسب ، أو جمع أعجمى ، إلا أنه حذف منه ياء النسب تخفيفا ، كأشعرون جمع أشعرى .
أى : ولو نزلنا هذا القرآن على رجل من الأعجمين ، الذين لا يحسنون النطق بالعربية ، فقرأ هذا القرآن على قومك - أيها الرسول الكريم - قراءة صحيحة لكفروا به عنادا ومكابرة مع أنهم فى قرارة أنفسهم يعرفون صدقه ، وأنه ليس من كلام البشر .
فالآيتان الكريمتان المقصود بهما تسلية الرسول صلى الله عليه وسلم عما يراه من إنكار المشركين لدعوته ، ومن وصفهم للقرآن تارة بأنه سحر ، وتارة بأنه أساطير الأولين ، تصوير صادق لما وصل إليه أولئك المشركون من جحود وعناد ومكابرة .
وشبيه بهاتين الآيتين قوله - تعالى - : { وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَآ إِلَيْهِمُ الملائكة وَكَلَّمَهُمُ الموتى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً مَّا كَانُواْ ليؤمنوا إِلاَّ أَن يَشَآءَ الله }
إنما يكابر المشركون ويعاندون لمجرد المكابرة والعناد ، لا لضعف الحجة ولا لقصور الدليل ؛ فلو جاءهم به أعجمي لا ينطق العربية فتلاه عليهم قرآنا عربيا ما آمنوا به ، ولا صدقوه ، ولا اعترفوا أنه موحى به إليه ، حتى مع هذا الدليل الذي يجبه المكابرين :
( ولو نزلناه على بعض الأعجمين ، فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين ) . .
وفي هذا تسريه عن رسول الله [ صلى الله عليه وسلم ] وتصوير لعنادهم ومكابرتهم في كل دليل . ثم يعقب على هذا بأن التكذيب مكتوب على القوم ملازم لهم بحكم عنادهم ومكابرتهم . فهكذا قضي الأمر أن يتلقوه بالتكذيب ، كأنه طبع في قلوبهم لا يحول . حتى يأتيهم العذاب وهم في غفلة لا يشعرون :
كان من جملة مطاعن المشركين في القرآن أنه ليس من عند الله ، ويقولون : تقوله محمد من عند نفسه ، وقالوا { أساطير الأولين اكتتبها } [ الفرقان : 5 ] فدمغهم الله بأن تحدّاهم بالإتيان بمثله فعجزوا .
وقد أظهر الله بهتانهم في هذه الآية بأنهم إنما قالوا ذلك حيث جاءهم بالقرآن رسول عربي ، وأنه لو جاءهم بهذا القرآن رسول أعجمي لا يعرف العربية بأن أوحى الله بهذه الألفاظ إلى رسول لا يفهمها ولا يحسن تأليفها فقرأه عليهم ، وفي قراءته وهو لا يحسن اللغة أيضاً خارق عادة ؛ لو كان ذلك لما آمنوا بأنه رسول مع أن ذلك خارق للعادة فزيادة قوله : { عليهم } زيادة بيان في خرق العادة . يعني أن المشركين لا يريدون مما يلقونه من المطاعن البحث عن الحق ولكنهم أصروا على التكذيب وطفقوا يتحملون أعذاراً لتكذيبهم جحوداً للحق وتستراً من اللائمين .
وجملة : { ولو نزلناه على بعض الأعجمين } معطوفة على جملة : { نزل به الروح الأمين على قلبك } إلى قوله : { بلسان عربي مبين } [ الشعراء : 193 195 ] لأن قوله : { على قلبك } أفاد أنه أوتيه من عند الله وأنه ليس من قول النبي لا كما يقول المشركون : تَقَوَّله ، كما أشرنا إليه آنفاً .
فلما فرغ من الاستدلال بتعجيزهم فضح نياتهم بأنهم لا يؤمنون به في كل حال ، قال تعالى : { إن الذين حقت عليهم كلمات ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلُّ آية } [ يونس : 96 ، 97 ] .
و { الأعجمين } جمع أعجم . والأعجم : الشديد العُجمة ، أي لا يحسن كلمة بالعربية ، وهو هنا مرادف أعجمي بياء النسب فيصح في جمعه على أعجمين اعتبارُ أنه لا حذف فيه باعتبار جمع أعجم كما قال حميد بن ثور يصف حمامة :
ولم أر مثلي شاقه لفظ مثلها *** ولا عربياً شاقه لفظُ أعجما
ويصح اعتبار حذف ياء النسب للتخفيف . وأصله : الأعجميين كما في الشعر المنسوب إلى أبي طالب :
وحيثُ ينيخ الأشْعَرُون رِحالهم *** بملقَى السيول بين سَافٍ ونائل
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.