الدر المصون في علم الكتاب المكنون للسمين الحلبي - السمين الحلبي  
{وَلَوۡ نَزَّلۡنَٰهُ عَلَىٰ بَعۡضِ ٱلۡأَعۡجَمِينَ} (198)

قوله : { الأَعْجَمِينَ } : قال صاحب " التحرير " : " الأعْجَمين جمع أعجمي بالتخفيف . ولولا هذا التقديرُ لم يَجُزْ أَنْ يُجمعَ جَمْعَ سلامةٍ " قلت : وكان سببُ مَنْعِ جمعهِ : أنه من بابِ أَفْعَل فَعْلاء كأَحْمر حَمْراء . والبصريون لا يُجيزون جَمْعَه جمعَ سلامة إلاَّ ضرورةً كقوله :

3537 . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . *** حلائلَ أَسْوَدِيْنَ وأَحْمَرينا

فلذلك قَدَّره منسوباً فخففَ الياء . وقد جعله ابنُ عطية جمعَ أَعْجَم فقال : ألأَعْجَمون جمعُ أَعْجَمُ/ وهو الذي لا يُفْصِحُ ، وإن كان عربيَّ النسبِ يقال له " أعجمُ " وذلك يقال للحيوانات . ومنه قوله صلَّى الله عليه وسلَّم : " جُرْحُ العجماء جُبار " وأسند الطبريُّ عن عبدِ الله بن مطيع : أنه كان واقفاً بعرفةَ وتحته جَمَلٌ فقال : جملي هذا أعجمُ ، ولو أنه أُنْزِل عليه ما كانوا يُؤْمِنون . والعَجَمِيُّ : هو الذي نِسْبَتُه في العَجَمِ ، وإن كان أفصحَ الناسِ " .

وقال الزمخشريُّ : " الأعجمُ : الذي لا يُفْصِحُ ، وفي لسانِه عُجْمَةٌ أو استعجامٌ . والأعجميُّ مثلُه ، إلاَّ أنَّ فيه زيادةَ النسَبِ توكيداً " قلت : وقد تقدَّم نحوٌ مِنْ هذا في سورة النحلِ . وقد صَرَّح أبو البقاء بمَنْع أن يكون " الأعجمين " جمعَ " أَعْجم " وإنما هو جمعُ أعجمي مخففاً مِنْ أعجميّ ك " الأَشْعرون " في الأشعري قال : " الأعجمين [ أي ] : الأعجميين فحذف ياءَ النسب كما قالوا : الأشعرون أي : الأشعريُّون ، وواحدُه أعجمي ، ولا يجوز أن يكونَ جمعَ أعجم لأنَّ مؤنثَه عَجْماء . ومثلُ هذا لا يُجْمَعُ جَمْعَ التصحيح " .

قلت : وقد تقدَّم ذلك . ففيما قال ابنُ عطية نظرٌ . وأمَّا الزمخشري فليس في كلامِه أنه جمع أَعْجم مخففاً أو غيرَ مخففٍ ، وإنْ كان ظاهرُه أنَّه جمع أعجم مِنْ غيرِ تخفيفٍ . ولكن الذي قاله ابن عطية تَبِعَ فيه الفراء فإنه قال : " الأعجمين جمعَ أَعْجم أو أعجمي على حَذْفِ ياءِ النِّسَبِ كما قالوا : الأشعرين وواحدهم أشعري . وأنشد للكميت :

ولو جَهَّزْتَ قافيةً شَرُوْدا *** لقد دَخَلَتْ بيوتَ الأَشْعَريْنا

لكنَّ الفراء لا يَضُرُّه ذلك فإنه من الكوفيين . وقد قَدَّمْتُ عنهم أنهم يُجيزون جمع أَفْعَل فَعْلاء .

و[ قرأ ] الحسن وابن مقسم " الأَعْجميِّين " بياءَي النسب ، وهي مؤيدةٌ لتخفيفِه منه في قراءةِ العامَّة .