وقوله : { مُتَّكِئِينَ على سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ } منصوب على الحال من فاعل { كُلُواْ } أو من الضمير المستكن فى قوله { جَنَّاتٍ } .
أى : هم فى جنات عظيمة ، حالة كونهم متكئين فيها على سرر موضوعة على صفوف منتظمة ، وعلى خطوط مستوية ، والسُّررُ : جمع سرير وهو ما يجلس عليه الإنسان للراحة .
وقوله : { وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ } بيان لنعمة أخرى من النعم التى يتلذذون بها .
أى : وفضلا عن كل ذلك ، فقد زوجناهم بنساء جميلات .
وبذلك نرى أن هؤلاء المتقين ، قد أكرمهم الله - تعالى - بكل أنواع النعيم ، من مسكن طيب ، ومأكل كريم ، ومشرب هنىء ، وأزواج مطهرات من كل سوء .
وقوله : مُتّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ قد جعلت صفوفا ، وترك قوله : على نمارق ، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه .
وقوله : وَزَوّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ يقول تعالى ذكره : وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء ، يقول الرجل : زوّج هذا الخلف الفرد أو النعل الفرد بهذا الفرد ، بمعنى : اجعلهما زوجا . وقد بيّنا معنى الزوج فيما مضى بما أغنى عن إعادته ها هنا ، والحُور : جمع حَوْراء ، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدّة سواد الحدقة .
وقد ذكرت اختلاف أهل التأويل في ذلك ، وبيّنت الصواب فيه عندنا بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع ، والعِين : جمع عَيْناء ، وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة .
حال من ضمير { كلوا واشربوا } [ الطور : 19 ] ، أي يقال لهم كلوا واشربوا حال كونهم متكئين ، أي وهم في حال إكلة أهل الترف المعهود في الدنيا ، فقد كان أهل الرفاهية يأكلون متكئين وقد وصف القرآن ذلك في سورة يوسف ( 31 ) بقوله : { أرسلت إليهن وأعتدت لهن متكئاً وءاتت كل واحدة منهن سكيناً } أي لَحز الطعام والثمار . وفي الحديث « أمَّا أنا فلا آكل متكئاً » وكان الأكاسرة ومرازبة الفُرس يأكلون متكئين وكذلك كان أَباطرة الرومان وكذلك شأنهم في شُرب الخمر ، قال الأعشى :
نَازَعْتهُم قُضب الريحان متكئاً *** وخمرةً مُزة رَاوُوقها خضل
والسَّرر : جمع سرير ، وهو ما يُضطجع عليه .
والمصفوفة : المتقابلة ، والمعنى : أنهم يأكلون متكئين مجتمعين للتأنس كقوله تعالى : { على سرر متقابلين } [ الصافات : 44 ] .
وجملة { وزوجناهم } عطف على { متكئين } فهي في موضع الحال .
ومعنى { زوجناهم } : جعلنا كل فرد منهم زوجاً ، أي غير مفرد ، أي قرنَّاهم بنساء حُور عيننٍ . والباء للمصاحبة ، أي جعلنا حُوراً عِيناً معهم ، ولم يُعد فعل { زوجناهم } إلى { حور } بنفسه على المفعولية كما في قوله تعالى : { زوجناكها } [ الأحزاب : 37 ] ، لأن ( زوجنا ) في هذه الآية ليس بمعنى : أنكحناهم ، إذ ليس المراد عقد النكاح لنُبوّ المراد عن هذا المعنى ، فالتزويج هنا وارد بمعناه الحقيقي في اللغة وهو جعل الشيء المفرد زوجاً وَليس وارداً بمعناه المنقول عنه في العرف والشرع ، وليس الباء لتعدية فعل { زوجناهم } بتضمينه معنى : قرنَّا ، ولا هو على لغة أزد شنوة فإنه لم يسمع في فصيح الكلام : تزوج بامرأة .
وحور : صفة لنساء المؤمنين في الجنة ، وهنّ النساء اللاتي كنّ أزواجاً لهم في الدنيا إن كنّ مؤمنات ومن يخلقهن الله في الجنة لنعمة الجنة وحكم نساء المؤمنين اللاتي هن مؤمنات ولم يكن في العمل الصالح مثل أزواجهن في لحاقهن بأزواجهن في الدرجات في الجنة تقدم عند قوله تعالى : { ادخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون } في سورة الزخرف ( 70 ) وما يقال فيهن يقال في الرجال من أزواج النساء الصالحات .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{متكئين على سرر مصفوفة} يعني مصففة في الخيام {وزوجناهم بحور عين} يعني البيضاء المنعمة،" عِين "يعني العيناء الحسنة العين...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
وقوله:"مُتّكِئِينَ عَلى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ "قد جعلت صفوفا، وترك قوله: على نمارق، اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام عليه.
وقوله: "وَزَوّجْناهُمْ بِحُورٍ عِينٍ" يقول تعالى ذكره: وزوّجنا الذكور من هؤلاء المتقين أزواجا بحور عين من النساء... والحُور: جمع حَوْراء، وهي الشديدة بياض مقلة العين في شدّة سواد الحدقة...
والعِين: جمع عَيْناء، وهي العظيمة العَيْن في حُسن وسعة.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{متّكئين على سُرُرٍ مصفوفة وزوّجناهم بحورٍ عين} ذكر لهم في الجنة جميع ما ترغب إليه أنفسهم في الدنيا، ويتمنّون بها...
وأما في السرر فذكر أمورا أيضا؛
(أحدها) الاتكاء فإنه هيئة تختص بالمنعم، والفارغ الذي لا كلفة عليه ولا تكلف لديه، فإن من يكون عنده من يتكلف له يجلس له ولا يتكئ عنده، ومن يكون في مهم لا يتفرغ للاتكاء، فالهيئة دليل خير...
{وزوجناهم} إشارة إلى النعمة الرابعة وفيها أيضا ما يدل على كمال الحال من وجوه؛
(أحدها) أنه تعالى هو المزوج وهو يتولى الطرفين يزوج عباده بأمانه ومن يكون كذلك لا يفعل إلا ما فيه راحة العباد والإماء.
(ثانيها) قال: {وزوجناهم بحور} ولم يقل وزوجناهم حورا مع أن لفظة التزويج يتعدى فعله إلى مفعولين بغير حرف يقال زوجتكها قال تعالى: {فلما قضى زيد منها وطرا زوجناكها} وذلك إشارة إلى أن المنفعة في التزويج لهم وإنما زوجوا للذتهم بالحور لا للذة الحور بهم وذلك لأن المفعول بغير حرف يعلق الفعل به كذلك التزويج تعلق بهم ثم بالحور، لأن ذلك بمعنى جعلنا ازدواجهم بهذا الطريق وهو الحور.
(ثالثها) عدم الاقتصار على الزوجات بل وصفهن بالحسن واختار الأحسن من الأحسن، فإن أحسن ما في صورة الآدمي وجهه وأحسن ما في الوجه العين، ولأن الحور والعين يدلان على حسن المزاج في الأعضاء ووفرة المادة في الأرواح، أما حسن المزاج فعلامته الحور، وأما وفرة الروح فإن سعة العين بسبب كثرة الروح المصوبة إليها...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
{وزوجناهم بحور عين} الباء لما في التزويج من معنى الوصل والإلصاق، أو للسببية إذ المعنى صيرناهم أزواجا بسببهن، أو لما في التزويج من معنى الإلصاق والقرن ولذلك عطف.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{متكئين} أي مستندين استناد راحة، لأنهم يخدمون فلا حاجة لهم إلى الحركة {على سرر مصفوفة} أي منصوبة واحداً إلى جنب واحد، مستوية كأنها السطور على أحسن نظام وأبدعه،... {وزوجناهم} أي تزويجاً يليق بما لنا من العظمة. ولما كانت تلك الدار غنية عن الأسباب، فكانوا غنيين عن العقد، قال مشيراً بالباء إلى صرف الفعل عن ظاهره فإنه إذا كان بمعنى النكاح تعدى بنفسه، وتضمين الفعل "قرناهم " أي جعلناهم أزواجاً مقرونين {بحور} أي نساء هن في شدة بياض العين وشدة سوادها واستدارة حدقتها ورقة جفونها في غاية لا توصف {عين} أي واسعات الأعين في رونق وحسن..
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} الاتكاء: هو الجلوس على وجه التمكن والراحة والاستقرار، والسرر: هي الأرائك المزينة بأنواع الزينة من اللباس الفاخر والفرش الزاهية. ووصف الله السرر بأنها مصفوفة، ليدل ذلك على كثرتها، وحسن تنظيمها، واجتماع أهلها وسرورهم، بحسن معاشرتهم، ولطف كلام بعضهم لبعض
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
(متكئين على سرر مصفوفة).. منسقة يجدون فيها لذة التجمع بإخوانهم في هذا النعيم: (وزوجناهم بحور عين).. وهذه تمثل أمتع ما يجول في خواطر البشر من متاع جميل...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
{كلوا واشربوا} [الطور: 19]، أي يقال لهم كلوا واشربوا حال كونهم متكئين، أي وهم في حال إكلة أهل الترف المعهود في الدنيا، فقد كان أهل الرفاهية يأكلون متكئين...وحور: صفة لنساء المؤمنين في الجنة، وهنّ النساء اللاتي كنّ أزواجاً لهم في الدنيا إن كنّ مؤمنات ومن يخلقهن الله في الجنة لنعمة الجنة.