المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُلّٞ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَيۡنَ ٱلۡعِبَادِ} (48)

48- قال المستكبرون : إننا كلنا فيها - نحن وأنتم - إن الله فصل بالحق بين العباد ، فلكل منا ما قضاه عليه من العذاب .

 
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي - البيضاوي [إخفاء]  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُلّٞ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَيۡنَ ٱلۡعِبَادِ} (48)

{ قال الذين استكبروا إنا كل فيها } نحن وأنتم فكيف نغني عنكم ولو قدرنا لأغنينا عن أنفسنا ، وقرئ " كلا " على التأكيد لأنه بمعنى كلنا وتنوينه عوض عن المضاف إليه ، ولا يجوز جعله حالا من المستكن في الظرف فإنه لا يعمل في الحال المتقدمة كما يعمل في الظرف المتقدم كقولك كل يوم لك ثوب . { إن الله قد حكم بين العباد } بأن أدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار ، و{ لا معقب لحكمه } .

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُلّٞ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَيۡنَ ٱلۡعِبَادِ} (48)

ومعنى قولهم : { إِنَّا كُلٌّ فِيهَا } نحن وأنتم مستوون في الكون في النار فكيف تطمعون أن ندفع عنكم شيئاً من العذاب . وعلى وجه أن يكون قول الضعفاء { إنا كُنَّا لَكمُ تَبعاً } إلى آخره توبيخاً ولوماً لزعمائهم يكون قول الزعماء { إنَّا كُلٌّ فِيهَا } اعترافاً بالغلط ، أي دَعُوا لومنا وتوبيخنا فقد كفانا أنا معكم في النار وتأكيد الكلام ب ( إنّ ) للاهتمام بتحقيقه أو لتنزيل من طالبوهم بالغناء عنهم من عذاب النار مع مشاهدتهم أنهم في العذاب مثلهم ، منزلة من يحسبهم غير واقعين في النار ، وفي هذا التنزيل ضرب من التوبيخ يقولون : ألستم تروننا في النار مثلكم فكيف نغني عنكم . و { كل } مرفوع بالابتداء وخبره { فيها } والجملة من المبتدأ وخبره خبر ( إنَّ ) وتنوين ( كل ) تنوين عوض عن المضاف إليه ، إذ التقدير : إنا كلُّنا في النار .

وجملة { إنَّ الله قَدْ حَكَمَ بَيْنَ العِبَادِ } تتنزل منزلة بدل الاشتمال من جملة { إنَّا كُلٌّ فيها } فكلتا الجملتين جواب لهم مؤيس من حصول التخفيف عنهم .

والمعنى : نحن مستوون في العذاب وهو حكم الله فلا مطمع في التقصي من حكمه فقد جوزي كل فريق بما يستحق .

وما في هذه الجملة الثانية من عموم تعلق فعل الحكم بين العباد ما يجعل هذا البدل بمنزلة التذييل ، أي أن الله حكم بين العباد كلهم بجزاء أعمالهم فكان قسطنا من الحكم هذا العذاب . فكلمة { حَكَمَ } هنا مستعملة في معناها الحقيقي وهو المكان المتوسط ، أي وقع حكمه وقضاؤه في مجمعهم الذي حضره من حُكم عليه ومن حكم له ومن لم يتعرض للحكومة لأنه من أهل الكرامة بالجنة ، فليست كلمة ( بين ) هنا بمنزلة ( بين ) في قوله تعالى : { فاحكم بينهم بما أنزل اللَّه } [ المائدة : 48 ] فإنها في ذلك مستعملة مجازاً في التفرقة بين المحق والمبطل .

وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم أن يحذروا الارتماء بأنفسهم في مهاوي الخسران فيوقعوا المقتدين بهم في تلك المهاوي فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممِهم على علم بعواقب ذلك كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا ومضاعفة العذاب في الآخرة ، إذ ما كان لهم أن يغُرُّوا بأقوام وكلوا أمورهم بقادتهم عن حسن ظن فيهم ، أن يخونوا أمانتهم فيهم كما قال تعالى : { وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم } [ العنكبوت : 13 ] ، وإن كان قَحْمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم فإنهم ملومون على عدم التوثق من كفاءتهم لتدبير الأمة فيخبِطوا بها خبط عشواء حتى يزلوا بها فيَهْوُوا بها من شواهق بعيدة فيصيروا رميماً ، ويَلْقوا في الآخرة جحيماً .