قوله : { إِنَّا كُلٌّ فِيهَآ } العامة على رفع «كُلٌّ » ورفعه على الابتداء و «فِيهَا » خبره والجملة خبر «إنَّ » ، وهذا كقوله في آل عمران : { قُلْ إِنَّ الأمر كُلَّهُ للَّهِ }{[48298]} [ آل عمران : 154 ] ، في قراءة أبي عمرو . وقرأ ابن السّميْقَع وعيسى بْنُ عُمَرَ بالنصب ، وفيه ثلاثةُ أوجه :
أحدها : أن يكون تأكيداً لاسم إن ، قال الزمخشري : توكيد لاسم إن ، وهو معرفة ، والتنوين عوض من المضاف إليه ، يريد : إنا كًُلَّنَا فيها{[48299]} انتهى ، يعني فيكون «فيها » هو الخبر ، وإلى كونه توكيداً ذهب ابْنُ عطيةَ أيضاً{[48300]} .
ورد ابن مالك هذا المذهب فقال في تَسْهِيلِهِ : «ولا يستغني بنية إضافته خلافاً للزمخشري »{[48301]} .
قال شهاب الدين : «وليس هذا مذهباً للزمخشري وحده بل هو منقول عن الكوفيين أيضاً »{[48302]} .
والثاني : أن تكون منصوبة على الحال ، قال ابن مالك : والقول المَرْضِيُّ عندي أنّ «كُلاًّ » في القراءة المذكورة منصوبة على الحال من الضمير المرفوع في «فِيهَا » و «فيها » هو العامل ؛ وقد قدمت عليه مع عدم تصرفه ، كما قدمت في قراءة مَنْ قَرَأَ : { والسماوات مَطْوِيَّاتٌ }{[48303]} [ الزمر : 67 ] .
4342 رَهْطُ ابْنِ كُوزٍ مُحْقِبِي أدْرَاعِهِمْ *** فِيهِمْ وَرَهْطُ رَبِيعَة بْنِ حُذَارِ{[48304]}
4343 دَعَا فَأَجَبْنَا وَهْوَ بَادِيَ ذِلَّة *** لَدَيْكُمْ وَكَانَ النَّصْرُ غَيْرَ بَعِيدِ{[48305]}
يعني بنصب «بادي » . وهذا هو مذهب الأخفش ، إلا أن الزمخشري منع من ذلك ، قال رحمه الله : فَإن قُلْتَ : هل يجوز أن يكون «كلاًّ » حالاً ، قد عمل فيهِ «فيها » ؟ قُلْتُ : لا ؛ لأن الظرف لا يعمل في الحال متقدمةً كما يعمل في الظرف متقدماً ، تقول : كُلَّ يَوْمٍ لَكَ ثَوْبٌ ، ولا تقول : قائماً في الدَّارِ زَيْدٌ{[48306]} ، قال أبو حيان : وهذا الذي منعه أجازه الأخفش ، إذا توسعت الحال ، نحو : زيدٌ قائماً في الدار ، وزيد قائماً عندك .
والمثال الذي ذكره ليس مطابقاً لما في الآية ؛ لأن الآية تقدم فيها المسند إليه الحكم وهو اسم إن ، وتوسطت الحال إذا قلنا : إنها حال ، وتأخر العامل فيها . وأما تمثيله بقوله : «ولا تقول قائماً في الدَّارِ زيْد »{[48307]} فقد تأخر فيه المسند والمسند إليه ، وقد ذكر بعضهم : أن المنع في ذلك إجماع من النحاة{[48308]} .
قال شهاب الدين : الزمخشري منعه صحيح ؛ لأنه ماشٍ على مذهب الجمهور وأما تمثيله بما ذكر فلا يضره{[48309]} ؛ لأنه في محل المنع ، فعدم تجويزه صحيح{[48310]} .
الثالث : أن «كُلاًّ » بدل من «نَا » في «إنَّا » ؛ لأن «كُلاًّ » قد وَليَت العَوامِلَ فكأنه قيل : إنّ كُلاًّ فيها وإذا كانوا قد تأولوا قوله :
4344 . . . . . . . . . . . . *** . . . . . . . . حَوْلاً أَكْتَعَا{[48311]}
و«حَوْلاً أجْمَعَا » على البدل مع تصرف أكْتَعَ وأجْمَعَ ؛ فلأن ذلك في «كّلّ » أولى وأجدى . وأيضاً فإن المشهور تعريف «كُلّ » حال قطعها ، حكي في الكثير الفَاشِي : مررت بكُلِّ قائماً وبِبَعْضٍ جالساً ، وعزاه بعضهم لسيبويه{[48312]} .
وتنكير «كل » ونصبها حالاً في غاية الشذوذ ، نحو : «مَرَرْتُ بِهِمْ كُلاًّ » أي جميعاً .
فإن قيل : فيه بدل الكل من الكل في ضمير الحاضر وهو لا يجوز .
أحدهما : أن الكوفيين والأخفش يرون ذلك وأنشدوا قوله :
4345 أَنَا سَيْفُ العِشِيرَةِ فَاعْرِفُونِي *** حميداً قَدْ تَذَرَّيْتُ السِّنَامَا{[48313]}
«فحميداً » بدل من ياء «فاعرفوني » . وقد تأوله البصريون على نصبه على الاختصاص .
والثاني : أن هذا الذي نحن فيه ليس محل الخلاف « ؛ لأن دال على الإحاطة والشمول ، وقد قالوا : إنه متى كان البدل دالاً على ذلك جاز ، وأنشدوا :
4346 فَمَا بَرِحَتْ أَقْدَامُنَا فِي مَكَانِنَا *** ثَلاَثتِنَا حَتَّى أُزِيرُوا المَنَائِيَا{[48314]}
ومثله قوله تعالى : { لَنَا عِيداً لأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا } [ المائدة : 114 ] قالو : «ثلاثتنا » بدل من «نا » في «مكاننا » ؛ لدلالتها على الإحاطة ، وكذلك «لأولنا وآخرنا » بدل من «نا » في «لنا » ، فلأن يجوز ذلك في كل التي هي أصل في الشمول والإحاطة بطريق الأولى ، هذا كلام أبي حيان في الوجه الثالث{[48315]} .
وفيه نظر لأن المبرد{[48316]} ومكِيًّا{[48317]} نصا على أن البدل في هذه الآية لا يجوز فكيف يدعى أنه لا خلاف في البدل والحالة هذه ؟ لا يقال : إن في الآية قولاً رابعاً ، وهو أن «كُلاًّ » نعت لاسم إنَّ ، وقد صرح الكسائيُّ{[48318]} والفراء بذلك فقالا : هو نعت لاسم{[48319]} إن ؛ لأن الكوفيين يطلقون اسم النعت على التأكيد ، ولا يريدون حقيقة النعت{[48320]} .
وممن نص على هذه التأويل مكي{[48321]} رحمه الله ؛ ولأن الكسائي إنما جوز نعت ضمير الغائب فقط دون المتكلم والمخاطب .
فعند ذلك يقول الرؤساء إنا كل فيها أي إنا كُلُّنَا واقعون في هذا العذاب ، فلو قدرنا على إزالة العذاب لدفعناه عن أنفسنا . ثم يقولون : { إِنَّ الله قَدْ{[48322]} حَكَمَ بَيْنَ العباد } يعنى فَأَوْصَلَ إلى شكل أحد حقه من النعيم أو من العذاب ،
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.