الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع  
{قَالَ ٱلَّذِينَ ٱسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا كُلّٞ فِيهَآ إِنَّ ٱللَّهَ قَدۡ حَكَمَ بَيۡنَ ٱلۡعِبَادِ} (48)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

{قال الذين استكبروا} وهم القادة للضعفاء: {إنا كل فيها} نحن وأنتم.

{إن الله قد حكم} يعني قضى {بين العباد} آية قد أنزلنا منازلنا في النار وأنزلكم منازلكم فيها.

جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :

قال الذين استكبروا، وهم الرؤساء المتبوعون على الضلالة في الدنيا: إنا أيها القوم وأنتم كلنا في هذه النار مخلدون، لا خلاص لنا منها.

إنّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَينَ العِبادِ بفصل قضائه، فأسكن أهل الجنة الجنة، وأهل النار النار، فلا نحن مما نحن فيه من البلاء خارجون، ولا هم مما فيه من النعيم منتقلون...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

هو جواب لقولهم الذي قالوا في الدنيا {ولنحمل خطاياكم} فيقولون: {إن الله قد حكم بين العباد} ألا يزيد العذاب على مثل السيئة، وقد حكم الله تعالى على كل منها بالمثل، فلا يزيد على ذلك.

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

لما أتى بكلام الضعفاء مضارعاً على الأصل، وإشارة مع تصوير الحال؛ لأنه أقطع إلى طول خصامهم؛ لأنه أشد في إيلامهم، فتشوف السامع إلى جوابهم، استأنف الخبر عنه بصيغة الماضي تأكيداً لتحقيق وقوعه رداً قد يتوهمه الضعيف من أن المستكبر له قوة المدافعة وإباء الأنفة فقال: {قال الذين استكبروا} أي من شدة ما هم فيه.

ولما كان الأتباع قد ظنوا أن المتبوعين يغنون عنهم، أكدوا إخبارهم لهم بما ينافي ذلك فقالوا: {إنّا كل} أي كلنا كائنون.

{فيها} أي النار، كل يناله من العذاب بقدر ما يستحقه، سواء إن جادلتمونا أو تركتم جدالنا، ولا يظلم ربك أحداً، فلو قدرنا على شيء لأغنينا عن أنفسنا، ولو سألنا أن نزاد أو ننقص لما أجبنا. فإن هذه دار العدل فاتركونا وما نحن فيه.

ولما كان حكم الله تعالى مانعاً مما كان يفعل في الدنيا من فك المجرم وإيثاق غيره به وكان سؤالهم في الإغناء سؤال من يجوز أن يكون حكمه على ما عليه الأحكام من حكام أهل الدنيا، عللوا جوابهم مؤكدين فقالوا: {إن الله} أي المحيط بأوصاف الكمال.

{قد حكم بين العباد} أي بالعدل،فلا يغني أحد عن أحد شيئاً...

التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :

على وجه أن يكون قول الضعفاء {إنا كُنَّا لَكمُ تَبعاً} إلى آخره توبيخاً ولوماً لزعمائهم، يكون قول الزعماء {إنَّا كُلٌّ فِيهَا} اعترافاً بالغلط، أي دَعُوا لومنا وتوبيخنا فقد كفانا أنا معكم في النار.

وتأكيد الكلام ب (إنّ) للاهتمام بتحقيقه، أو لتنزيل من طالبوهم بالغناء عنهم من عذاب النار مع مشاهدتهم أنهم في العذاب مثلهم، منزلة من يحسبهم غير واقعين في النار، وفي هذا التنزيل ضرب من التوبيخ يقولون: ألستم تروننا في النار مثلكم فكيف نغني عنكم...

وفي هذه الآية عبرة لزعماء الأمم وقادتهم أن يحذروا الارتماء بأنفسهم في مهاوي الخسران، فيوقعوا المقتدين بهم في تلك المهاوي، فإن كان إقدامهم ومغامرتهم بأنفسهم وأممِهم على علم بعواقب ذلك، كانوا أحرياء بالمذمة والخزي في الدنيا ومضاعفة العذاب في الآخرة، إذ ما كان لهم أن يغُرُّوا بأقوام وكلوا أمورهم بقادتهم عن حسن ظن فيهم، أن يخونوا أمانتهم فيهم كما قال تعالى: {وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم} [العنكبوت: 13]، وإن كان قَحْمهم أنفسهم في مضائق الزعامة عن جهل بعواقب قصورهم وتقصيرهم؛ فإنهم ملومون على عدم التوثق من كفاءتهم لتدبير الأمة فيخبِطوا بها خبط عشواء حتى يزلوا بها، فيَهْوُوا بها من شواهق بعيدة فيصيروا رميماً، ويَلْقوا في الآخرة جحيماً...