وقوله : { وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ } . وهو إخبار عن نفوذ مشيئته في خلقه كما أخبر
بنفوذ قدره فيهم ، فقال : { وَمَا أَمْرُنَا إِلا وَاحِدَةٌ } أي : إنما نأمر بالشيء مرة واحدة ، لا نحتاج إلى تأكيد بثانية ، فيكون ذلك الذي نأمر به حاصلا موجودا كلمح البصر{[27826]} ، لا يتأخر طرفة عين ، وما أحسن ما قال بعض الشعراء :
إذَا ما أرَادَ الله أمْرًا فَإِنَّما *** يقُولُ لهُ : كُنْ ، قَوَلةً {[27827]} فَيَكُونُ
القول في تأويل قوله تعالى : { وَمَآ أَمْرُنَآ إِلاّ وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ * وَلَقَدْ أَهْلَكْنَآ أَشْيَاعَكُمْ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ * وَكُلّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزّبُرِ } .
يقول تعالى ذكره : وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكوّنه إلاّ قولة واحدة : كن فيكون ، لا مراجعة فيها ولا مرادّة كَلَمْحِ بالبَصَرِ يقول جلّ ثناؤه : فيوجد ما أمرناه وقلنا له : كن كسرعة اللمح بالبصر لا يُبطىء ولا يتأخر ، يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم : ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية ، على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله ، وتكذيب رسله فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ يقول : فهل من مُتّعظ بذلك منزجر ينزجر به . كما :
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَلَقَدْ أهْلَكْنا أشْياعُكُمْ فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ قال : أشياعكم من أهل الكفر من الأمم الماضية ، يقول : فهل من أحد يتذكر .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{وما أمرنا} في الساعة {إلا واحدة} يعني إلا مرة واحدة لا مثنوية لها {كلمح بالبصر} يعني مجنوح الطرف...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: وما أمرنا للشيء إذا أمرناه وأردنا أن نكوّنه إلاّ قولة واحدة: كن فيكون، لا مراجعة فيها ولا مرادّة" كَلَمْحِ بالبَصَرِ "يقول جلّ ثناؤه: فيوجد ما أمرناه وقلنا له: كن كسرعة اللمح بالبصر لا يُبطئ ولا يتأخر، يقول تعالى ذكره لمشركي قريش الذين كذّبوا رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم: ولقد أهلكنا أشياعكم معشر قريش من الأمم السالفة والقرون الخالية، على مثل الذي أنتم عليه من الكفر بالله، وتكذيب رسله "فَهَلْ مِنْ مُدّكرٍ" يقول: فهل من مُتّعظ بذلك منزجر ينزجر به.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
الأمر في ما بين الخَلق على وجهين:
والآخر: أمر تكليفٍ لغير. ثم قوله تعالى: {وما أمرُنا إلا واحدة} إنما هو أمر فعل، يخبر عن سهولة ذلك عليه، أي شأنُه وفعلُه يسير عليه، لا يُعجزه شيء ولا يشغلُه. فعلى ذلك أمر الله وخلقه عليه. والواحد: ليس هو اسم العدد، وإن كان الحساب به يُبتدأ، فإنما هو اسم التوحّد والتفرّد كما يقال: فلان واحد زمانه لا يريدون من جهة العدد، إذ له أعداد وأمثال من جهة العدد، ولكن إنما يراد بأنه المتوحّد في شأنه وفعله، ولا نظير له. فعلى ذلك تسميتُه نفسه واحدا لتفرُّده وتوحّده في ألوهيّته وربوبيّته، وتسمية أمره واحدا؛ إن فعله وشأنه لا يشبه أفعال غيره، وإنه لا نظير له في ذلك، وإنه يسير عليه، لا حاجة له إلى الوقت والآلة وغير ذلك. ألا ترى أنه قال: {كلمح بالبصر}؟ خبر عن خفّة ذلك عليه وسهولته من حيث لا يثقُل على أحد ردّ البصر ولا لمحه، هذا وجه. ووجه ثان فيه إخبار أنه لا يشغله شيء لأن الناس يشغلُهم بعض أمورهم عن بعض. وأهل لتأويل يصرفون الآية إلى الساعة كقوله تعالى: {وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب} [النحل: 77] وهو محتمل. فيخبر أن الآخرة ليست على تقدير أمر الدنيا على إتباع بعض بعضا وعلى إرداف شيء على شيء وعلى الانتقال والتغيير من حال إلى حال، ولكن أمر الآخرة على التكوّن بمرة واحدة.
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{كلمح بالبصر} تفهيم للناس بأعجل ما يحسون وفي أشياء أمر الله تعالى أوحى من لمح البصر.
أي إلا كلمة واحدة، وهو قوله له: (كن) هذا هو المشهور الظاهر، وعلى هذا فالله إذا أراد شيئا قال له: (كن) فهناك شيئان: الإرادة والقول...
فالإرادة قدر، والقول قضاء، وقوله: {واحدة} يحتمل أمرين (أحدهما): بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول إشارة إلى نفاذ الأمر (ثانيهما): بيان عدم اختلاف الحال.
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{إلا واحدة} أي فعلة يسيرة لا معالجة فيها وليس هناك إحداث قول لأنه قديم بل تعلق القدرة بالمقدور على وفق الإرادة الأزلية، ثم مثل لنا ذلك بأسرع ما يعقله وأخفه فقال؛ {كلمح بالبصر} فكما أن لمح أحدكم ببصره لا كلفة عليه فيه، فكذلك الأفعال كلها، بل أيسر من ذلك.
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.