اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۭ بِٱلۡبَصَرِ} (50)

قوله : { وَمَا أَمْرُنَا إِلاَّ وَاحِدَةٌ } أي إلا كلمة واحدة وهو قوله «كُنْ » . «كَلَمْحِ بِالبَصَرِ » أي قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر . واللمح : النظر بالعَجَلة يقال : لَمَحَ البَرْق ببَصَره ؛ وفي الصحاح : لَمَحَهُ وأَلْمَحَهُ إِذا أبصره بنظرٍ خفيف ، والاسم اللَّمْحَة ، ولَمَحَ البَرْقُ والنَّجْمُ لَمحاً ، أي لَمَعَ{[54213]} .

قال البغوي : قوله «وَاحِدَةٌ » يرجع إلى المعنى دون اللفظ أي وما أمرنا إلا واحدة .

وقيل : معناه وأما أمرنا للشيء إذا أردنا تكوينه إلا كلمة واحدة{[54214]} كما تقدم ، وهي رواية عَطَاءٍ عن ابْن عبَّاس ، وروى الكلبي عنه : وما أمرنَا بمجيء الساعة في السرعة إلاَّ كَطَرْف البَصَر{[54215]} .

فصل

قال ابن الخطيب : إنَّ الله تعالى إذا أراد شيئاً قال له : كُنْ فهناك شيئان الإرادة والقَوْل ، فالإرادة قَدَر ، والقول قضاء ، وقوله : «وَاحِدَةٌ » يحتمل أمرين :

أحدهما : بيان أنه لا حاجة إلى تكرير القول إشارة إلى نَفَاذِ القَوْل{[54216]} .

ثانيهما : بيان عدم اختلاف الحال فأمره عند خلق العرش العظيم كأمره عند خلق النَّمْلَة الصغيرة فأمره عند الكل واحد . وقوله : «كَلَمْحٍ بالبَصَرِ » تشبيه للكون لا تشبيه الأَمْر ، فكأنه قال : أمرنا واحدة ، فإذا المأمور كائنٌ كلمح بالبصر ، لأنه لو كان راجعاً إلى الأمر لا يكون ذلك صفة مدح يليق به ، فإن كلمة «كُنْ » شيء أيضاً يوجد كلمح بالبصر{[54217]} . ومعنى «كَلَمْحٍ بالبصَرِ » أي كنَظَر العَيْن . والباء للاستعانة مثل : كَتَبْتُ بالقَلَم ، دخلت على الآلة ومثل بها ؛ لأنها أسرع حركة في الإنسان ؛ لأن العين وجد فيها قرب المحرَّك منها ، ولا يفضل عليه بخلاف العِظام ، واستدارة شكلها ، فإن دَحْرَجَةَ الكُرَة أسرع من دحرجة المُثَلَّثِ والمربَّعِ ، ولأنها في رُطُوبةٍ مخلوقة في العضو الذي هو موضعها ، وهو الحكمة في كثرة المرئيَّات بخلاف المأكولات والمسموعات والمفاصل التي تُفْصَل بالأرجل والمذُوقات فلَوْلاَ سرعة حركة الآلة التي بها إدراك المبْصرات لما وصل إلى الكل إلا بعد طول بَيَان .

وقيل : معنى : «كلمح بالبصر » البرق يمر به سريعاً ، فالباء تكون للإلصاق ، نحو : مَرَرْتُ بِهِ ، وفي قوله : «كَلَمْحِ بِالبَصَرِ » ولم يقل : كلمح البرق فائدةٌ ، وهي أن لَمْحَ البرق له مبدأٌ ونهاية فالذي يمر بالبصر منه يكون أدل من جملته مبالغة في القلة ، ونهاية السرعة{[54218]} .


[54213]:وانظر في هذا كله القرطبي 17/148 واللغة فيه وفي الصحاح لمح.
[54214]:وهي: "كن فيكون".
[54215]:وانظر البغوي 6/280.
[54216]:في الرازي: نافذ الأمر.
[54217]:الرازي 15/75.
[54218]:بالمعنى من المرجع السابق أيضا 15/78.