تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَمَآ أَمۡرُنَآ إِلَّا وَٰحِدَةٞ كَلَمۡحِۭ بِٱلۡبَصَرِ} (50)

الآية 50 وقوله تعالى : { وما أمرُنا إلا واحدة كلمح بالبصر } الأمر في ما بين الخَلق على وجهين :

أحدهما : أمر شأنٍ بالفعل .

والآخر : أمر تكليفٍ لغير .

ثم قوله تعالى : { وما أمرُنا إلا واحدة } إنما هو أمر فعل ، يخبر عن سهولة ذلك عليه ، أي شأنُه وفعلُه يسير عليه ، لا يُعجزه /541-أ/ شيء ولا يشغلُه .

فعلى ذلك أمر الله وخلقه عليه . والواحد : ليس هو اسم العدد ، وإن كان الحساب به يُبتدأ ، فإنما هو اسم التوحّد والتفرّد كما يقال : فلان واحد زمانه لا يريدون من جهة العدد ، إذ له أعداد وأمثال من جهة العدد ، ولكن إنما يراد بأنه المتوحّد في شأنه وفعله ، ولا نظير له .

فعلى ذلك تسميتُه نفسه{[20227]} واحدا لتفرُّده وتوحّده في ألوهيّته وربوبيّته ، وتسمية أمره واحدا ؛ إن فعله وشأنه لا يشبه أفعال غيره ، وإنه لا نظير له في ذلك ، وإنه يسير عليه ، لا حاجة له إلى الوقت والآلة وغير ذلك .

ألا تر أنه قال : { كلمح بالبصر } ؟ خبر عن خفّة ذلك عليه وسهولته من حيث لا يثقُل على أحد ردّ البصر ولا لمحه . هذا وجه .

[ ووجه ثان ]{[20228]} فيه إخبار أنه لا يشغله شيء لأن الناس يشغلُهم بعض أمورهم عن بعض .

وأهل لتأويل يصرفون الآية إلى الساعة كقوله تعالى : { وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب } [ النحل : 77 ] وهو محتمل . فيخبر أن الآخرة ليست على تقدير أمر الدنيا على إتباع بعض بعضا وعلى إرداف شيء على شيء وعلى الانتقال والتغيير من حال إلى حال ، ولكن أمر الآخرة على التكوّن بمرة واحدة .


[20227]:في الأصل وم: إياه.
[20228]:في الأصل وم: والثاني.