المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ} (20)

20- إن الذين يعاندون الله ورسوله أولئك في عداد الذين بلغوا الغاية في الذلة .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ} (20)

ولما كان أولئك المنافقون يأوون إلى اليهود شعورا منهم بأنهم قوة تخشى وترجى . ويطلبون عندهم العون والمشورة . فإن الله ييئسهم منهم ، ويقرر أنه كتب على أعدائه الذلة والهزيمة ، وكتب لنفسه ولرسوله الغلبة والتمكين :

( إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين . كتب الله لأغلبن أنا ورسلي . إن الله قوي عزيز ) . . وهذا وعد الله الصادق الذي كان والذي لا بد أن يكون على الرغم مما قد يبدو أحيانا من الظاهر الذي يخالف هذا الوعد الصادق .

فالذي وقع بالفعل أن الإيمان والتوحيد قد غلبا على الكفر والشرك . واستقرت العقيدة في الله في هذه الأرض ؛ ودانت لها البشرية بعد كل ما وقف في طريقها من عقبات الشرك والوثنية ، وبعد الصراع الطويل مع الكفر والشرك والإلحاد . وإذا كانت هناك فترات عاد فيها الإلحاد أو الشرك إلى الظهور في بعض بقاع الأرض - كما يقع الآن في الدول الملحدة والوثنية - فإن العقيدة في الله ظلت هي المسيطرة بصفة عامة . فضلا على أن فترات الإلحاد والوثنية إلى زوال مؤكد ، لأنها غير صالحة للبقاء . والبشرية تهتدي في كل يوم إلى أدلة جديدة تهدي إلى الاعتقاد في الله والتمكين لعقيدة الإيمان والتوحيد .

والمؤمن يتعامل مع وعد الله على أنه الحقيقة الواقعة . فإذا كان الواقع الصغير في جيل محدود أو في رقعة محدودة يخالف تلك الحقيقة ، فهذا الواقع هو الباطل الزائل . الذي يوجد فترة في الأرض لحكمة خاصة . لعلها استجاشة الإيمان وإهاجته لتحقيق وعد الله في وقته المرسوم .

وحين ينظر الإنسان اليوم إلى الحرب الهائلة التي شنها أعداء الإيمان على أهل الإيمان في صورها المتنوعة ، من بطش ومن ضغط ومن كيد بكل صنوف الكيد في عهود متطاولة ، بلغ في بعضها من عنف الحملة على المؤمنين أن قتلوا وشردوا وعذبوا وقطعت أرزاقهم وسلطت عليهم جميع أنواع النكاية . ثم بقي الإيمان في قلوب المؤمنين ، يحميهم من الانهيار ، ويحمي شعوبهم كلها من ضياع شخصيتها وذوبانها في الأمم الهاجمة عليها ، ومن خضوعها للطغيان الغاشم إلا ريثما تنقض عليه وتحطمه . . حين ينظر الإنسان إلى هذا الواقع في المدى المتطاول يجد مصداق قول الله تعالى . يجده في هذا الواقع ذاته بدون حاجة إلى الانتظار الطويل ! !

وعلى أية حال فلا يخالج المؤمن شك في أن وعد الله هو الحقيقة الكائنة التي لا بد أن تظهر في الوجود ، وأن الذين يحادون الله ورسوله هم الأذلون ، وأن الله ورسله هم الغالبون . وأن هذا هو الكائن والذي لا بد أن يكون . ولتكن الظواهر غير هذا ما تكون !

 
التحرير والتنوير لابن عاشور - ابن عاشور [إخفاء]  
{إِنَّ ٱلَّذِينَ يُحَآدُّونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥٓ أُوْلَـٰٓئِكَ فِي ٱلۡأَذَلِّينَ} (20)

موقع هذه الآية بعد ما ذكر من أحوال المنافقين يشبه موقع آية { إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم } [ المجادلة : 5 ] . فالذين يحادون الله ورسوله المتقدم ذكرهم المشركون المعلنون بالمحادّة . وأما المحادّون المذكورون في هذه الآية فهم المُسرُّون للمحادّة المتظاهرون بالمُوالاة ، وهم المنافقون ، فالجملة استئناف بياني بينت شيئاً من الخسران الذي قضى به على حزب الشيطان الذي هم في مقدمته . وبهذا تكتسب هذه الجملة معنى بدل البعض من مضمون جملة { ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون } [ المجادلة : 19 ] ، لأن الخسران يكون في الدنيا والآخرة ، وخسران الدنيا أنواع أشدُّها على الناس المذلة والهزيمة ، والمعنى : أن حزب الشيطان في الأذَلّين والمغلوبين .

واستحضارهم بصلة { إن الذين يحادون الله ورسوله } إظهار في مقام الإِضمار فمقتضى الظاهر أن يقال : إنهم في الأذلين فأخرج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر إلى الموصولية لإِفادة مدلول الصلة أنهم أعداء لله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وإفادة الموصول تعليل الحكم الوارد بعده وهو كونهم أذلِّين لأنهم أعداء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهم أعداء الله القادر على كل شيء فَعدوُّه لا يكون عزيزاً .

ومفاد حرف الظرفية أنهم كائنون في زمرة القوم الموصوفين بأنهم أذلُّون ، أي شديدو المذلة ليتصورهم السامع في كل جماعة يرى أنهم أذلُّون ، فيكون هذا النظم أبلغ من أن يقال : أولئك هم الأذّلون .

واسم الإِشارة تنبيه على أن المشار إليهم جديرون بما بعد اسم الإِشارة من الحكم بسبب الوصف الذي قبل اسم الإِشارة مثل { أولئك على هدى من ربهم } [ البقرة : 5 ] .

وتقدم الكلام على { يحادون الله ورسوله } في أوائل هذه السورة [ 5 ] .