ومن النشأة الأولى . وهي واقعة مكرورة لا ينكرها منكر ، يتجه مباشرة إلى النشأة الأخرى .
( وأن عليه النشأة الأخرى ) . .
والنشأة الأخرى غيب . ولكن عليه من النشأة الأولى دليل . دليل على إمكان الوقوع . فالذي خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى ، قادر - ولا شك - على إعادة الخلق من عظام ورفات . فليست العظام والرفات بأهون من الماء المراق ! ودليل على حكمة الوقوع . فهذا التدبير الخفي الذي يقود الخلية الحية الصغيرة في طريقها الطويل الشاق حتى تكون ذكرا أو أنثى . هذا التدبير لا بد أن يكون مداه أبعد من رحلة الأرض التي لا يتم فيها شيء كامل ؛ ولا يجد المحسن جزاء أحسانه كاملا ، ولا المسيء جزاء إساءته كاملا كذلك . لأن في حساب هذا التدبير نشأة أخرى يبلغ فيها كل شيء تمامه . فدلالة النشأة الأولى على النشأة الأخرى مزدوجة . ومن هنا جاء ذكرها هكذا قبل النشأة الأخرى . .
{ وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى } أي الإحياء بعد الإماتة وفاءاً بوعده جل شأنه ، وفي «البحر » لما كانت هذه النشأة ينكرها الكفار بولغ بقوله تعالى كأنه تعالى أوجب ذلك على نفسه ، وفي الكشاف قال سبحانه : { عَلَيْهِ } لأنها واجبة في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة وفيه مع كونه على طريق الاعتزال نظر ، وقرأ ابن كثير . وأبو عمرو النشاءة بالمد وهي أيضاً مصدر نشأة الثلاثي .