اللباب في علوم الكتاب لابن عادل - ابن عادل  
{وَأَنَّ عَلَيۡهِ ٱلنَّشۡأَةَ ٱلۡأُخۡرَىٰ} (47)

قوله : { وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى } أي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة . قال ابن الخطيب : يحتمل أن يكون المراد من قوله : { وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى } هو نفخ الروح الإنسانية فيه كما قال تعالى : { ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النطفة عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العلقة مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضغة عِظَاماً فَكَسَوْنَا العظام لَحْماً ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ } [ المؤمنون : 13 و14 ] أي غير خلق النطفة علقة ، والعلقة مضغة ، والمضغة عظاماً . وبهذا الخلق الآخر وهو نفخ الروح تميز الإنسان عن أنواع الحيوانات فكما قال هناك : { أنشأناه خلقاً آخر } بعد خلق النطفة قال ههنا : { وَأَنَّ عَلَيْهِ النشأة الأخرى } فجعل خلق الروح نشأةً أخرى كما جَعَلَه هناك إِنشاءً آخَرَ .

فإن قيل : الإعادة لا تجب على الله ، فما معنى قوله تعالى : «وأنَّ عَلَيْهِ » ؟

فالجواب على مذهب المعتزلة يجب عليه عقلاً ، فإن الجزاء واجب ، وذلك لا يتم إلا بالحشر فتجب الإعادة عليه عقلاً ، وأما على مذهب أهب السنة ففيه وجهان :

الأول : «عَلَيْهِ » بحكم الوعد ، فإنه قال : { إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الموتى } «فَعَلَيْهِ » بحكم الوعد لا بالعقل ولا بالشَّرْع .

الثاني : «عليه » بحكم التعيين ، فإن من حَضَرَ بين جمع وحاولوا أمراً وعجزوا عنه ، يقال له : وَجَبَ عَلَيْكَ إِذَنْ أنْ تَفْعَلَه أي تَعَيَّنْتَ لَهُ{[53748]} .

فصل

قرئ النَّشْأَةَ على أنه مصدر كالضَّرْبَةِ على وزن فَعْلَةٍ وهي المَرَّة يقال : ضَرْبَةٌ وضَرْبَتَانِ يعني النشأة مرة أخرى عليه . وقرئ النَّشاءة - بالمد - على أنه مصدر على وزن فَعَالَةٍ{[53749]} ، كالكَفَالَةِ . وكيفما قرئ فهي من «نَشَأَ » ، وهو لازمٌ .


[53748]:بالمعنى كل هذا من تفسير العلامة الرازي 15/22.
[53749]:ونسبها صاحب الإتحاف إلى ابن كثير وأبي عمرو، وقد مرت في العنكبوت، وانظر الإتحاف 403 وقد نقلها صاحب التفسير الكبير الإمام الرازي دون نسبة كما نقلها صاحب الكشاف الزمخشري 4/34 دون نسبة أيضا وقد نسبها القرطبي 17/118.