قوله تعالى : { يطوف عليهم } للخدمة ، { ولدان } غلمان ، { مخلدون } لا يموتون ولا يهرمون ولا يتغيرون . وقال الفراء : تقول العرب لمن كبر ولم شمط : إنه مخلد . قال ابن كيسان : يعني ولداناً لا يحولون من حالة إلى حالة . قال سعيد ابن جبير : مقرطون ، يقال : خلد جاريته إذا حلاها بالخلد ، وهو القرط . قال الحسن : هم أولاد أهل الدنيا لم تكن لهم حسنات فيثابوا عليها ولا سيئات فيعاقبوا عليها لأن الجنة لا ولادة فيها فهم خدام أهل الجنة .
قوله تعالى : " يطوف عليهم ولدان مخلدون " أي غلمان لا يموتون ، قال مجاهد . الحسن والكلبي : لا يهرمون ولا يتغيرون ، ومنه قول امرئ القيس :
وهل يَنْعَمْنَ إلا سعيدٌ مُخَلَّدٌ *** قليلُ الهموم ما يبيتُ بأوجَالِ
وقال سعيد بن جبير : مخلدون مُقَرَّطُون ، يقال للقرط الخَلَدة ولجماعة الحلي الخِلْدَة . وقيل : مسوّرون ونحوه عن الفراء ، قال الشاعر :
ومُخَلَّدَاتُ باللُّجَيْنِ كأنما *** أعجازُهن أقَاوِزُ{[14630]} الكُثْبَانِ
وقيل : مقرطون يعني ممنطقون من المناطق . وقال عكرمة : " مخلدون " منعمون . وقيل : على سن واحدة أنشأهم الله لأهل الجنة يطوفون عليهم كما شاء من غير ولادة . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحسن البصري : الولدان ها هنا ولدان المسلمين الذين يموتون صغارا ولا حسنة لهم ولا سيئة . وقال سلمان الفارسي : أطفال المشركين هم خدم أهل الجنة . قال الحسن : لم يكن لهم حسنات يجزون بها ، ولا سيئات يعاقبون عليها ، فوضعوا في هذا الموضع . والمقصود : أن أهل الجنة على أتم السرور والنعمة ، والنعمة إنما تتم باحتفاف الخدم والولدان بالإنسان .
قوله : { يطوف عليهم ولدان مخلدون 17 بأكواب وأباريق وكأس من معين } ولدان ، جمع وليد . وهم غلمان في الجنة مخلدون . أي باقون أبدا على شكل الولدان لا يتغيرون ولا يشيبون ، وهم على الدوام قائمون على خدمة المؤمنين ، إذ يدورون عليهم بأكواب وهي آنية لا خراطيم لها ، وأباريق جمع إبريق وهو ماله خرطوم وعروة { وكأس من معين } أي من خمر من عين جارية .
وهذه حال المؤمنين المنعمين في الجنة وهم جالسون متقابلين ، تحفهم من الله العناية والسلامة من كل مكروه وتغشاهم السكينة والرحمة ، ومن بين أيديهم الغلمان المخلدون يدأبون على خدمتهم . وهم صنف كريم مميز من غلمان الجنة أولو صباحة وإشراق ، يشيعون في الجلسات ظلالا من نسائم الرحمة والبركة .