مفاتيح الغيب للرازي - الفخر الرازي  
{يَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ وِلۡدَٰنٞ مُّخَلَّدُونَ} (17)

قوله تعالى : { يطوف عليهم ولدان مخلدون } والولدان جمع الوليد ، وهو في الأصل فعيل بمعنى مفعول وهو المولود لكن غلب على الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين ، والدليل أنهم قالوا للجارية الصغيرة وليدة ، ولو نظروا إلى الأصل لجردوها عن الهاء كالقتيل ، إذا ثبت هذا فنقول : في الولدان وجهان ( أحدهما ) أنه على الأصل وهم صغار المؤمنين وهو ضعيف ، لأن صغار المؤمنين أخبر الله تعالى عنهم أنه يلحقهم بآبائهم ، ومن الناس المؤمنين الصالحين من لا ولد له فلا يجوز أن يخدم ولد المؤمن مؤمنا غيره ، فيلزم إما أن يكون لهم اختصاص ببعض الصالحين وأن لا يكون لمن لا يكون له ولد من يطوف عليه من الولدان ، وإما أن يكون ولد الآخر يخدم غير أبيه وفيه منقصة بالأب ، وعلى هذا الوجه قيل : هم صغار الكفار وهو أقرب من الأول إذ ليس فيه ما ذكرنا من المفسدة ( والثاني ) أنه على الاستعمال الذي لم يلحظ فيه الأصل وهو إرادة الصغار مع قطع النظر عن كونهم مولودين وهو حينئذ كقوله تعالى : { ويطوف عليهم غلمان لهم } وفي قوله تعالى : { مخلدون } وجهان ( أحدهما ) أنه من الخلود والدوام ، وعلى هذا الوجه يظهر وجهان آخران ( أحدهما ) أنهم مخلدون ولا موت لهم ولا فناء ( وثانيهما ) لا يتغيرون عن حالهم ويبقون صغارا دائما لا يكبرون ولا يلتحون ( والوجه الثاني ) أنه من الخلدة وهو القرط بمعنى في آذانهم حلق ، والأول أظهر وأليق .