المنتخب في تفسير القرآن الكريم للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية - المنتخب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

58- والذين صدَّقوا بالله وكتبه ورسله ، وعملوا الأعمال الصالحة ، نقسم : لننزلنَّهم من دار النعيم غرفات تجرى من تحتها الأنهار ، لا ينقطع عنهم نعيمها ، نعم هذا الجزاء أجراً للعاملين الصابرين على كل ما يصيبهم في سبيل الله من فراق الأوطان والأهل والأموال ، المعتمدين على الله - وحده - في جميع أحوالهم .

 
في ظلال القرآن لسيد قطب - سيد قطب [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

46

ومع هذا فإنه لا يدعهم إلى هذا الإيواء وحده ؛ بل يكشف عما أعده لهم هناك . وإنهم ليفارقون وطنا فلهم في الأرض عنه سعة . ويفارقون بيوتا فلهم في الجنة منها عوض . عوض من نوعها وأعظم منها :

( والذين آمنوا وعملوا الصالحات لنبوئنهم من الجنة غرفا تجري من تحتها الأنهار ، خالدين فيها ) .

وهنا يهتف لهم بالعمل والصبر والتوكل على الله :

نعم أجر العاملين ، الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون . .

وهي لمسة التثبيت والتشجيع لهذه القلوب ، في موقف القلقلة والخوف والحاجة إلى التثبيت والتشجيع .

 
الجامع التاريخي لبيان القرآن الكريم - مركز مبدع [إخفاء]  
{ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ} (59)

تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :

ثم نعتهم، فقال عز وجل: {الذين صبروا} على الهجرة {وعلى ربهم يتوكلون} يعني وبالله يثقون في هجرتهم، وذلك أن أحدهم كان يقول: بمكة أهاجر إلى المدينة وليس لي بها مال، ولا معيشة...

تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :

... {الذين صبروا} على الطاعات وأداء الفرائض، أو أن يكون الصبر كناية وعبارة عن الإيمان، أي الذين آمنوا {وعلى ربهم يتوكلون} به يثقون، ويفوضون كقوله: {إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور} [إبراهيم: 5] أي لكل مؤمن.

التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :

"الذين صبروا" على الاذى في الله، وصبروا على مشاق الطاعات، ووكلوا أمورهم إلى الله وتوكلوا عليه في أرزاقهم وجهاد أعدائهم ومهمات أمورهم...

الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :

{الذين صَبَرُواْ} على مفارقة الأوطان والهجرة لأجل الدين. وعلى أذى المشركين، وعلى المحن والمصائب، وعلى الطاعات، وعن المعاصي.

{وعلى ربهم يتوكلون} ولم يتوكلوا في جميع ذلك إلا على الله تعالى.

المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :

وصفهم تعالى بالصبر والتوكل وهاتان جماع الخير كله أي الصبر على الطاعات وعن الشهوات...

مفاتيح الغيب للرازي 606 هـ :

ذكر أمرين: الصبر والتوكل، لأن الزمان ماض وحاضر ومستقبل، لكن الماضي لا تدارك له ولا يؤمر العبد فيه بشيء، بقي الحاضر واللائق به الصبر، والمستقبل واللائق به التوكيل، فيصبر على ما يصيبه من الأذى في الحال، ويتوكل فيما يحتاج إليه في الاستقبال.

واعلم أن الصبر والتوكل صفتان لا يحصلان إلا مع العلم بالله والعلم بما سوى الله، فمن علم ما سواه علم أنه زائل فيهون عليه الصبر إذ الصبر على الزائل هين، وإذا علم الله علم أنه باق يأتيه بأرزاقه فإن فاته شيء فإنه يتوكل على حي باق، وذكر الصبر والتوكل ههنا مناسب، فإن قوله: {يا عبادي} كان لبيان أنه لا مانع من العبادة، ومن يؤذى في بقعة فليخرج منها. فحصل الناس على قسمين قادر على الخروج وهو متوكل على ربه، يترك الأوطان ويفارق الإخوان، وعاجز وهو صابر على تحمل الأذى ومواظب على عبادة الله تعالى...

نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :

وصفهم بما يرغب في الهجرة، فقال معرفاً بجماع الخير كله الصبر وكونه على جهة التفويض لله، منبهاً على أن الإنسان لا ينفك عن أمر شاق ينبغي الصبر عليه: {الذين صبروا} أي أوجدوا هذه الحقيقة حتى استقرت عندهم فكانت سجية لهم، فأوقعوها على كل شاق من التكاليف من هجرة وغيرها. ولما كان الإنسان إلى المحسن إليه أميل، قال مرغباً في الاستراحة بالتفويض إليه: {وعلى ربهم} أي وحده لا على أهل ولا وطن {يتوكلون} أي يوجدون التوكل إيجاداً مستمر التجديد عند كل مهم يعرض لهم أرزاقهم بعد الهجرة وغيرها وجهاد أعدائهم وغير ذلك من أمورهم...

الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :

تصف أهمّ ما يتحلّى به المؤمنون العاملون فتقول: (الذين صبروا وعلى ربّهم يتوكلون). إذ يبتعدون عن الزوجة والأولاد والأهل والبيت والأحباب والأصدقاء وكل شيء عزيز عليهم، لكنّهم يصبرون برغم الفراق يذوقون مرارة الغربة والتهجير عن أوطانهم و يصبرون، وتتلقى أنفسهم العذاب والأذى من أعدائهم من أجل حفظ إيمانهم، ويواجهون الصعاب في جهادهم الأكبر «جهادهم مع النفس» وجهادهم أعداءهم بشدّة، ويتحملون أنواع المشاكل فيصبرون! أجل، هذا الصبر وهذه الاستقامة هما رمز انتصارهم وعامل فخرهم الكبير، وبدونه لا يتحقق عمل إيجابي في الحياة. ثمّ بعد هذا كلّه، فهم لا يعتمدون على أموالهم ولا على أصدقائهم، بل يعتمدون على الله ويتوكلون على ذاته المقدسة، وإذ ابتغى ألف عدو هلاكهم تمثلوا قائلين: «امتحانك رحمة فلا تكترث بالأعداء». وإذ أمعنا النظر وفكّرنا جيداً رأينا أن الصبر والتوكل هما أساس جميع الفضائل الإنسانية، فالصبر هو عامل الاستقامة أمام العوائق والمشاكل، والتوكل هو الهدف والباعث على الحركة في هذا الطريق المديد الملتوي. وفي الحقيقة ينبغي الاستمداد من هاتين الفضيلتين (الصبر والتوكل) للأعمال الصالحة، إذ بدونهما لا يمكن أن تؤدى الأعمال الصالحة بالمقياس الواسع...