الميمنة : ناحية اليمين ، والمراد : أصحاب المرتبة السنية رفيعة القدر .
4- فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ .
أصحاب اليمين ، هل علمت شأنهم وسرورهم وفوزهم ؟ فالاستفهام في قوله : مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ . يراد به التفخيم والتعظيم والتعجيب من حالهم ، فهم عن يمين العرش ، أو هم من أخذوا كتابهم باليمين ، أو هم أهل اليُمن والفوز لأنهم أدوا حق الله عليهم ، ففازوا بالجنة والرضوان يوم الفزع الأكبر .
{ فأصحاب الميمنة } أي ناحية اليمين ، وهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة . أو يؤتون صحائفهم بأيمانهم . { ما أصحاب الميمنة } أي أيّ شيء هم في أحوالهم وصفاتهم ! والجملة مبتدأ وخبر . وهي خبر قوله " فأصحاب الميمنة " وضع فيها الظاهر موضع الضمير للتفخيم . ومثله يقال في : " وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة " وقد وضع فيها الظاهر موضع الضمير للتفظيع . والمقصود فيهما : تعجيب السامعين من شأن الفريقين في الفخامة والفظاعة .
ثم فسرها فقال :{ فأصحاب الميمنة } هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ، وقال ابن عباس : هم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت الذرية من صلبه ، وقال الله لهم : هؤلاء في الجنة ولا أبالي . وقال الضحاك : هم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم . وقال الحسن والربيع : هم الذين كانوا ميامين مباركين على أنفسهم ، وكانت أعمارهم في طاعة الله وهم التابعون بإحسان ، ثم عجب نبيه صلى الله عليه وسلم فقال : { ما أصحاب الميمنة } وهذا كما يقال : زيد ما زيد ! يراد زيد شديد .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
ثم أخبر عنهم، فقال: {فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} يقول: ما لأصحاب اليمين من الخير والكرامة في الجنة...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله:"فأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ "وهذا بيان من الله عن الأزواج الثلاثة، يقول، جل ثناؤه: وكنتم أزواجا ثلاثة: أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، والسابقون، فجعل الخبر عنهم، مغنيا عن البيان عنهم، على الوجه الذي ذكرنا، لدلالة الكلام على معناه، فقال: "فَأصحَابُ المَيْمَنَةِ ما أصحَابُ المَيْمَنَةِ" يعجّب نبيه محمدا منهم، وقال: "ما أصحَابُ اليَمِينِ" الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة، أيّ شيء أصحاب اليمين.
"وأصحَابُ المَشأَمَةِ ما أصحَابُ المَشأَمَةِ" يقول تعالى ذكره: وأصحاب الشمال الذين يؤخذ بهم ذات الشمال إلى النار...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة} {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} يحتمل وجهين:
أحدهما: أصحاب الميمنة من اليمن، وأصحاب المشأمة من الشؤم.
والثاني: سمي هؤلاء أصحاب الميمنة لأنهم أصحاب الطيبات، واليمين هي التي تستعمل في الطيبات، وسمي الكفرة أصحاب الشمال لأنهم أصحاب الخبائث، والشمال تستعمل في الخبائث. وعلى ذلك قوله: {فمن أوتي كتابه بيمينه} [الإسراء: 71 و...
] لأن في كتبهم طيبات وخيرات، وفي كتب الكفر خبائث، فتؤتي بشمالهم. وقيل: سموا أصحاب الميمنة والمشأمة لما ذكر الله تعالى: {فأما من أوتي كتابه بيمينه} {فسوف يحاسب حسابا يسيرا} [الانشقاق: 7و8] وقوله: {وأما من أوتي كتابه وراء ظهره} [الانشقاق: 10]. فكذا فكل من أوتي كتابه بيمينه فهو [من] أصحاب اليمن، ومن أوتي كتابه بشماله فهو من أصحاب المشأمة... أو على التعظيم لأولئك لعظم ما يعطيهم. وكذلك قوله تعالى: {وأصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة} يخرج على هذين الوجهين: على التعجب والتعظيم لما يحل بهم، وكذلك قوله تعالى: {والسابقون السابقون} يخرج على هذا أيضا: فلان ما أمر فلان؟ فيقال: فلان فلان على تعظيم أمره وشأنه. فعلى ذلك هذا.
المسألة الثانية: {أصحاب الميمنة} هم أصحاب الجنة، وتسميتهم بأصحاب الميمنة إما لكونهم من جملة من كتبهم بأيمانهم، وإما لكون أيمانهم تستنير بنور من الله تعالى، كما قال تعالى: {يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم} وإما لكون اليمين يراد به الدليل على الخير، والعرب تتفاءل بالسانح، وهو الذي يقصد جانب اليمين من الطيور والوحوش عند الزجر... وأما الميمنة فهي مفعلة كأنه الموضع الذي فيه اليمين وكل ما وقع بيمين الإنسان في جانب من المكان، فذلك موضع اليمين فهو ميمنة كقولنا: ملعبة.
المسألة الثالثة: جعل الله تعالى الخلق على ثلاثة أقسام دليل غلبة الرحمة، وذلك لأن جوانب الإنسان أربعة، يمينه وشماله، وخلفه وقدامه، واليمين في مقابلة الشمال والخلف في مقابلة القدام، ثم إنه تعالى أشار بأصحاب اليمين إلى الناجين الذين يعطون كتبهم بأيمانهم وهم من أصحاب الجانب الأشرف المكرمون، وبأصحاب الشمال إلى الذين حالهم على خلاف أصحاب اليمين وهم الذين يعطون كتبهم بشمائلهم مهانون، وذكر السابقين الذين لا حساب عليهم ويسبقون الخلق من غير حساب بيمين أو شمال، أن الذين يكونون في المنزلة العليا من الجانب الأيمن، وهم المقربون بين يدي الله يتكلمون في حق الغير ويشفعون للغير ويقضون أشغال الناس وهؤلاء أعلى منزلة من أصحاب اليمين، ثم إنه تعالى لم يقل: في مقابلتهم قوما يكونون متخلفين مؤخرين عن أصحاب الشمال لا يلتفت إليهم لشدة الغضب عليهم، وكانت القسمة في العادة رباعية، فصارت بسبب الفضل ثلاثية وهو كقوله تعالى: {فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} لم يقل منهم متخلف عن الكل.
المسألة الرابعة: ما الحكمة في الابتداء بأصحاب اليمين والانتقال إلى أصحاب الشمال ثم إلى السابقين مع أنه في البيان بين حال السابقين ثم أصحاب الشمال على الترتيب؟
والجواب أن نقول: ذكر الواقعة وما يكون عند وقوعها من الأمور الهائلة إنما يكون لمن لا يكون عنده من محبة الله تعالى ما يكفه مانعا عن المعصية، وأما الذين سرهم مشغول بربهم فلا يحزنون بالعذاب، فلما ذكر تعالى: {إذا وقعت الواقعة} وكان فيه من التخويف مالا يخفى وكان التخويف بالذين يرغبون ويرهبون بالثواب والعقاب أولى ذكر ما ذكره لقطع العذر لا نفع الخبر، وأما السابقون فهم غير محتاجين إلى ترغيب أو ترهيب فقدم سبحانه أصحاب اليمين الذين يسمعون ويرغبون ثم ذكر السابقين ليجتهد أصحاب اليمين ويقربوا من درجتهم...
المسألة الخامسة: ما معنى قوله: {ما أصحاب الميمنة}؟ نقول: هو ضرب من البلاغة وتقريره هو أن يشرع المتكلم في بيان أمر، ثم يسكت عن الكلام ويشير إلى أن السامع لا يقدر على سماعه...
في ظلال القرآن لسيد قطب 1387 هـ :
ويبدأ بالحديث عن أصحاب الميمنة -أو أصحاب اليمين- ولكنه لا يفصل عنهم الحديث إنما يصفهم باستفهام عنهم للتهويل والتضخيم: (فأصحاب الميمنة. ما أصحاب الميمنة؟)...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
...وهو تعجيب ترك على إبهامه هنا لتذهب نفس السامع كل مذهب ممكن من الخير والشر ف (ما) في الموضعين اسم استفهام. وإظهار لفظي {أصحاب الميمنة} و {أصحاب المشئمة} بعد الاستفهامين دون الإِتيان بضميريْهما. لأن مقام التعجيب والتشهير يقتضي الإظهار بخلاف مقام قوله تعالى: {وما أدراك ماهية} [القارعة: 10].
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
...كلمة (ميمنة) من مادّة (يمن) التي أخذت من معنى السعادة، وعلى هذا التّفسير فإنّ القسم الأوّل هم طائفة السعداء وأهل الحبور والسرور...
{ فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة } هذا ابتداء خبر فيه معنى التعظيم ، كقولك : زيد ما زيد ، والميمنة يحتمل أن تكون مشتقة من اليمن وهو ضد الشؤم وتكون المشأمة به مشتقة من الشؤم أو تكون الميمنة من ناحية اليمين والمشأمة من ناحية الشمال ، واليد الشؤمى هي الشمال ، وذلك لأن العرب تجعل الخير من اليمين والشر من الشمال ، أو لأن أهل الجنة يحملون إلى جهة اليمين ، وأهل النار يحملون إلى جهة الشمال أو يكون من أخذ الكتاب باليمين أو الشمال .
ولما قسمهم إلى ثلاثة أقسام وفرع تقسيمهم ، ذكر أحوالهم وابتدأ ذلك بالإعلام بأنه ليس الخبر كالخبر كما أنه ليس العين كالأثر فقال : { فأصحاب الميمنة * } أي جهة اليمين وموضعها وأعمالها ، ثم فخم أمرهم بالتعجيب من حالهم بقوله منبهاً على أنهم أهل{[62073]} لأن يسأل عنهم فيما يفهمه اليمين من الخير والبركة فكيف إذا عبر عنها بصيغة مبالغة فقال : { ما } وهو مبتدأ ثان { أصحاب الميمنة * } أي جهة اليمين وموضعها وأعمالها{[62074]} ، والجملة خبر عن الأولى ، والرابط تكرار المبتدأ بلفظه ، قال أبو حيان رحمه الله تعالى{[62075]} : وأكثر ما يكون ذلك في موضع التهويل والتعظيم .
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما تقدم الإعذار في السورتين المتقدمتين والتقرير على عظيم البراهين ، وأعلم في آخر سورة القمر أن كل واقع في العالم فبقضائه سبحانه وقدره
{ إنا كل شيء خلقناه بقدر }[ القمر : 49 ]
{ القمر : 52 ] وأعلمهم سبحانه في الواقعة بانقسامهم الأخروي فافتتح ذكر الساعة { إذا وقعت الواقعة } إلى قوله { وكنتم أزواجاً ثلاثة } فتجردت هذه السورة للتعريف بأحوالهم الأخروية ، وصدرت بذلك كما جرد في هذه السورة قبل التعريف بحالهم في هذه الدار ، وما انجر في السور الثلاث جارياً على غير هذا الأسلوب فبحكم استدعاء الترغيب والترهيب لطفاً بالعباد ورحمة ومطالعها مبنية على ما ذكرته تصريحاً لا تلويحاً ، وعلى الاستيفاء لا بالإشارة والإيماء ، ولهذا قال تعالى في آخر القصص الأخراوية في هذه السورة : { هذا نزلهم يوم الدين } فأخبر أن هذا حالهم يوم الجزاء وقد قدم حالهم الدنياوي في السورتين قبل وتأكيد التعريف المتقدم فيما بعد ، وذلك{[62076]} قوله { فأما إن كان من المقربين } إلى خاتمتها - انتهى .