ثم يعود السياق إلى أسلوب الحكاية . فيقص ما كان بعد ذلك منهم :
( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر ) . .
وصاحبهم هو أحد الرهط المفسدين في المدينة ، الذين قال عنهم في سورة النمل : ( وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون ) . . وهو الذي قال عنه في سورة الشمس : ( إذ انبعث أشقاها ) . .
وقيل : إنه تعاطى الخمر فسكر ليصير جريئا على الفعلة التي هو مقدم عليها . وهي عقر الناقة التي أرسلها الله آية لهم ؛ وحذرهم رسولهم أن يمسوها بسوء فيأخذهم عذاب أليم . . ( فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر )وتمت الفتنة ووقع البلاء .
فنادوا صاحبهم : هو عاقر الناقة ، واسمه ، قُدار بن سالف .
فتعاطى فعقر : فتناول السيف فعقر الناقة ، حيث ضرب قوائمها بالسيف ، فقتلها موافقة لهم .
29-30- { فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ * فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ } .
اجتمعوا وغرَّتهم النعمة التي ينعمون بها ، وهي شُرب اللبن خالصا بدون مشقّة ، وبطروا النعمة ، وكلّفوا شقيا مع رهط من الأشقياء ، فبيتوا أمرهم على ذبح هذه الناقة ، واختبأ قدار بن سالف في شجرة في طريق الناقة ، فضرب رجليها بالسيف ثم ذبحها .
{ فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } : أي فملوا ذلك الشرب وسئموا منه فنادوا صاحبهم وهو قدار بن سالف ليقتلها فتعاطى السيف وتناوله فعقر الناقة أي قتلها .
وما تشربه الناقة من الماء نحيله إلى لبن خالص وتقف عند كل باب من أبواب المدينة ليحلبوا من لبنها وطالت المدة وملوا اللبن والسعادة فنادوا صاحبهم غدار بن سالف عاقر الناقة فتعاطى السيف وتناوله وعقرها بضرب رجليها بالسيف ثم ذبحها .
قوله تعالى : " فنادوا صاحبهم " يعني بالحض على عقرها " فتعاطى فعقر " ومعنى تعاطى : تناول الفعل ، من قولهم : عطوت أي تناولت ، ومنه قول حسان :
كلتاهُمَا حَلَبُ العَصِير فَعَاطَنِي *** بزجاجة أرخاهما لِلْمِفْصَلِ
قال محمد بن إسحاق : فكمن لها في أصل شجرة على طريقها فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ، ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها ، فخرت ورغت رغاءة واحدة تَحَدّر سَقْبُها من بطنها ثم نحرها ، وانطلق سَقْبُها حتى أتى صخرة في رأس جبل فرغا ثم لاذ بها ، فأتاهم صالح عليه السلام ، فلما رأى الناقة قد عقرت بكى وقال : قد انتهكتم حرمة الله فأبشروا بعذاب الله . وقد مضى في " الأعراف{[14489]} " بيان هذا المعنى . قال ابن عباس : وكان الذي عقرها أحمر أزرق أشقر أكشف أقفى . ويقال في اسمه قدار ابن سالف . وقال الأفوه الأودي :
أو قبلَه{[14490]} كقُدَارٍ حين تابعه *** على الغِوَايَةِ أقوامٌ فقد بادُوا
والعرب تسمي الجزار قُدَاراً تشبيها بقدار بن سالف مشؤوم آل ثمود ، قال مهلهل :
إنا لنضرب بالسيوف رؤوسهم *** ضربَ القُدَارِ نَقِيعَةَ القُدَّامِ{[14491]}
فَتُنْتَجَ لكم غلمانٌ أشأَمَ كُلُّهم *** كأحمر عاد ثم تُرْضِعْ فَتَفْطِمِ{[14492]}
قوله : { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } أي نادت ثمود صاحبهم الشقي الأثيم ليعقر ناقة الله فحضّوه على هذه الفعلة النكراء { فتعاطى فعقر } أي تناول الفعل وهو العقر . أو اجترأ على تعاطي الأمر العظيم . والعقر معناه ، الضرب بالسيف{[4408]} .