ويقسم الله - سبحانه - على هذه الحقيقة بالتين والزيتون ، وطور سينين ، وهذا البلد الأمين ، وهذا القسم على ما عهدنا في كثير من سور هذا الجزء - هو الإطار الذي تعرض فيه تلك الحقيقة . وقد رأينا في السور المماثلة أن الإطار يتناسق مع الحقيقة التي تعرض فيه تناسقا دقيقا .
وطور سينين هو الطور الذي نودي موسى - عليه السلام - من جانبه . والبلد الأمين هو مكة بيت الله الحرام . . وعلاقتهما بأمر الدين والإيمان واضحة . . فأما التين والزيتون فلا يتضح فيهما هذا الظل فيما يبدو لنا .
وقد كثرت الأقوال المأثورة في التين والزيتون . . قيل : إن التين إشارة إلى طور تينا بجوار دمشق .
وقيل : هو إشارة إلى شجرة التين التي راح آدم وزوجه يخصفان من ورقها على سوآتهما في الجنة التي كانا فيها قبل هبوطهما إلى هذه الحياة الدنيا . وقيل : هو منبت التين في الجبل الذي استوت عليه سفينة نوح - عليه السلام .
وقيل في الزيتون : إنه إشارة إلى طور زيتا في بيت المقدس . وقيل : هو إشارة إلى بيت المقدس نفسه . وقيل : هو إشارة إلى غصن الزيتون الذي عادت به الحمامة التي أطلقها نوح عليه السلام - من السفينة - لترتاد حالة الطوفان . فلما عادت ومعها هذا الغصن عرف أن الأرض انكشفت وأنبتت !
وقيل : بل التين والزيتون هما هذان الأكلان الذان نعرفهما بحقيقتهما . وليس هناك رمز لشيء وراءهما . .
أو أنهما هما رمز لمنبتهما من الأرض . . .
وشجرة الزيتون إشير إليها في القرآن في موضع آخر بجوار الطور : فقال : ( وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين ) . . كما ورد ذكر الزيتون : ( وزيتونا ونخلا ) . . فأما " التين " فذكره يرد في هذا الموضع لأول مرة وللمرة الوحيدة في القرآن كله .
ومن ثم فإننا لا نملك أن نجزم بشيء في هذا الأمر . وكل ما نملك أن نقوله - اعتمادا على نظائر هذا الإطار في السور القرآنية - : إن الأقرب أن يكون ذكر التين والزيتون إشارة إلى أماكن أو ذكريات ذات علاقة بالدين والإيمان . أو ذات علاقة بنشأة الإنسان في أحسن تقويم [ وربما كان ذلك في الجنة التي بدأ فيها حياته ] . . كي تلتئم هذه الإشارة مع الحقيقة الرئيسية البارزة في السورة ؛ ويتناسق الإطار مع الحقيقة الموضوعة في داخله . على طريقة القرآن . . .
وقوله : وَطُورِ سِينِينَ اختلف أهل التأويل في تأويله ، فقال بعضهم : هو جبل موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده . ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا معاذ بن هشام ، قال : ثني أبي ، عن قتادة ، عن قزعة ، قال : قلت لابن عمر : إني أريد أن آتي بيت المقدس وَطُورِ سِينِينَ فقال : لا تأت طور سينين ، ما تريدون أن تدعوا أثر نبيّ إلاّ وطئتموه . قال قتادة : وَطُورِ سِينِينَ : مسجد موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا روح ، قال : حدثنا عوف ، عن الحسن ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : جبل موسى .
قال : ثنا عوف ، عن يزيد أبي عبدالله ، عن كعب ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : جبل موسى صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس : وَطُورِ سِينِينَ قال : هو الطّور .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : مسجد الطور .
وقال آخرون : الطّور : هو كلّ جبل يُنْبِتُ . وقوله سِينِينَ : حسن . ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى القزّاز ، قال : حدثنا عبد الوارث بن سعيد ، قال : حدثنا عمارة ، عن عكرِمة ، في قوله : وَطُورِ سِينِينَ قال : هو الحسن ، وهي لغة الحبشة ، يقولون للشيء الحسن : سِينا سِينا .
حدثنا يعقوب بن إبراهيم ، قال : حدثنا ابن عُلَية ، عن أبي رجاء ، قال : سُئل عكرِمة ، عن قوله وَطُورِ سِينِينَ قال : طُور : جبل ، وسِينين : حَسَنٌ بالحبشية .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا الصباح بن محارب ، عن سفيان ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، قال : صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه المغرب ، فقرأ في أوّل ركعة ( وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ وطُورِ سِينِينَ ) قال : هو جبل .
حدثني يعقوب ، قال : حدثنا المعتمر ، قال : سمعت الحكم يحدّث ، عن عكرِمة ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : سواء عليّ نبات السهل والجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا عبد الرحمن ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : الجبل .
حدثنا ابن بشار ، قال : حدثنا مُؤَمّل ، قال : حدثنا سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَطُورِ سِينِينَ ) : جبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا ابن حميد ، قال : حدثنا مِهْران ، عن سفيان ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( وَطُورِ سِينِينَ ) الجبل .
حدثنا أبو كريب ، قال : حدثنا وكيع ، عن النضر ، عن عكرِمة ، قال : الطور : الجبل ، والسينين : الحسن ، كما ينبت في السهل ، كذلك ينبت في الجبل .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الكلبيّ ، أما ( وَطُورِ سِينِينَ ) فهو الجبل ذو الشجر .
وقال آخرون : هو الجبل ، وقالوا : سينين : مبارك حسن . ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى وحدثني الحرث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد وَطُورِ : الجبل وسِينِينَ قال : المبارك .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : جبل مبارك بالشام .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : حدثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ( وَطُورِ سِينِينَ ) قال : جبل بالشام ، مُبارك حسن .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : طور سينين : جبل معروف ، لأن الطور هو الجبل ذو النبات ، فإضافته إلى سينين تعريف له ، ولو كان نعتا للطور ، كما قال من قال معناه حسن أو مبارك ، لكان الطور منوّنا ، وذلك أن الشيء لا يُضاف إلى نعته ، لغير علة تدعو إلى ذلك .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
وهو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى ، عليه السلام ، يوم أخذ التوراة ...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
قوله : "وَطُورِ سِينِينَ" اختلف أهل التأويل في تأويله ؛
فقال بعضهم : هو جبل موسى بن عمران صلوات الله وسلامه عليه ومسجده ...
وقال آخرون : الطّور : هو كلّ جبل يُنْبِتُ . وقوله سِينِينَ : حسن ...
وقال آخرون : هو الجبل ، وقالوا : سينين : مبارك حسن ...
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب : قول من قال : طور سينين : جبل معروف ، لأن الطور هو الجبل ذو النبات ، فإضافته إلى سينين تعريف له ، ولو كان نعتا للطور ، كما قال من قال معناه حسن أو مبارك ، لكان الطور منوّنا ، وذلك أن الشيء لا يُضاف إلى نعته ، لغير علة تدعو إلى ذلك .
البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ :
ولم يختلف في طور سيناء أنه جبل بالشام ، وهو الذي كلم الله تعالى موسى عليه السلام عليه . ...
تفسير القرآن للمراغي 1371 هـ :
وهو تذكير بما كان عند ذلك الجبل من الآيات الباهرات التي ظهرت لموسى وقومه ، وما كان بعد ذلك من إنزال التوراة عليه ، وظهور نور التوحيد بعد أن تدنست جوانب الأرض بالوثنية ، وما زال الأنبياء بعده يدعون أقوامهم إلى التمسك بهذه الشريعة ، ثم عرضت لها البدع ، فجاء عيسى مخلّصا لها مما أصابها ، ثم أصاب قومه ما أصاب الأمم قبلهم من الاختلاف في الدين ، حتى منّ الله على الناس بعهد النور المحمدي ، وإليه الإشارة بقوله : { وهذا البلد الأمين }...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.