تأويلات أهل السنة للماتريدي - الماتريدي  
{وَطُورِ سِينِينَ} (2)

وقوله تعالى : { وطور سنين } قال بعضهم : هو جبل بسنين ، والسينين اسم موضع ، والطور الجبل ، وكذا قال أبو عوسجة .

وقال بعضهم : جبل حسن ، والسينين ، هو الحسن بالحبشية ، وقال بعضهم : كل جبل مشجر ، له الثمر ، فهو سينين .

وقال بعضهم : هو الجبل الذي أوحي عليه إلى موسى عليه السلام وهو طور سيناء ، وقيل : هو الجبل المبارك .

ثم تخرج جهة القسم بالجبل وبما ذكر على وجوه .

أحدهما : بما عظم شأن الجبال في قلوب الخلق حين أوصل إليهم أخبار السماء من جهة تلك الجبال وجميع ما يرجع إلى منافع أنفسهم ودينهم على ما ذكر أنه أوحي إلى موسى عليه السلام على جبل طور سيناء ، وأوحي إلى عيسى عليه السلام على جبل ساعورا ، وأوحى إلى محمد صلى الله عليه وسلم على جبل فاران على ما ذكر في الخبر أن موسى عليه السلام قال : أتاني ربي من جبل طور سيناء ، وسيأتي وحي عيسى عليه السلام من جبل ساعورا ، ويأتي الوحي إلى محمد عليه الصلاة والسلام من فاران .

والثاني : أقسم بالجبال لما أرساها في الأرض ، وجعلها أوتادا لها لئلا تميد بأهلها ، ولا تميل على ما ذكر في غير آية ){[7]} من القرآن عظيم شأن الجبال من هذه الجهة في قلوب الخلق .

والثالث لما أخرج منها مع شدتها وصلابتها وغلظها وارتفاعها المياه الجارية الصافية الباردة ، وهي من ألين الأشياء ، وأخرج منها الأشجار المثمرة الكثيرة وغير المثمرة من غير إنبات أحد ولا غرسه{[8]} وغير ذلك من المنافع التي جعل في الجبال مما لا يمكن للخلق استخراج ذلك بحيلهم وتكلفهم .

فاقسم بها لعظم ما جعل في الجبال من المنافع والبركات .

( والرابع ){[9]} : كذلك أن كان القسم بالتين الذي يؤكل والزيتون الذي يخرج منه الزيت لما جعل لهم في ذلك من المنافع العظام كقوله تعالى : { وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين } ( المؤمنون : 20 ) .

فمن هذه الوجوه التي ذكرنا يحتمل القسم بالجبال والتين والزيتون ، أو ذكر التين والزيتون ، والمراد بهما الجبل لما في الجبل يكونان عندهم على ما ذكرنا ، والله أعلم .


[7]:- لم تدرج مقدمة المصنف في ط م.
[8]:- في ط ع: الحق.
[9]:- في ط م: ليكون.