قال ابن عباس ، وعِكْرِمَة ، ومجاهد ، وأبو الأحوص ، وقسَامة بن زُهَير ، والسَّفر بن نُسَير ، والحسن ، وقتادة ، وعبد الله بن كثير ، والسُّدِّيّ ، وأبو حَرْزَة ، وغيرهم : هو الذي لا شوك فيه . وعن ابن عباس : هو المُوَقَر بالثمر . وهو رواية عن عِكْرِمَة ، ومجاهد ، وكذا قال قتادة أيضا : كنا نُحَدِّث أنه المُوقَر الذي لا شوك فيه .
والظاهر أن المراد هذا وهذا فإن سدر الدنيا كثير الشوك قليل الثمر ، وفي الآخرة على عكس من هذا لا شوك فيه ، وفيه الثمر الكثير الذي قد أثقل أصله ، كما قال الحافظ أبو بكر بن سلمان النجّاد .
حدثنا محمد{[28053]} بن محمد هو البغوي ، حدثني حمزة بن عباس{[28054]} ، حدثنا عبد الله بن عثمان ، حدثنا عبد الله بن المبارك ، أخبرنا صفوان بن عمرو ، عن سليم بن عامر ، قال : كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون : إن الله لينفعنا بالأعراب ومسائلهم ؛ قال : أقبل أعرابي يومًا فقال : يا رسول الله ، ذكر الله في الجنة شجرة تؤذي صاحبها ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وما هي ؟ " . قال : السِّدر ، فإن له شوكًا موذيًا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أليس الله يقول : { فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ } ، خَضَد الله شوكه ، فجعل مكان كل شوكة ثمرة ، فإنها لتنبت ثمرًا تَفَتَّق الثمرةُ منها عن اثنين{[28055]} وسبعين لونًا من طعام ، ما فيها لون يشبه الآخر " {[28056]} .
طريق أخرى : قال أبو بكر بن أبي داود : حدثنا محمد بن المصفى ، حدثنا محمد بن المبارك ، حدثنا يحيى بن حمزة ، حدثني ثور بن يزيد ، حدثني حبيب بن عبيد ، عن عُتْبة بن عبد السلمي
قال : كنت جالسًا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجاء أعرابي فقال : يا رسول الله ، أسمعك تذكر في الجنة شجرة لا أعلم شجرة أكثر شوكًا منها ؟ يعني : الطلح ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يجعل مكان كل شوكة منها ثمرة مثل خُصْوَة التيس الملبود ، فيها سبعون لونًا من الطعام ، لا يشبه لون آخر " {[28057]} .
السدر : شجر معروف{[10898]} ، وهو الذي يقال له شجر أم غيلان ، وهو من العضاه ، له شوك ، وفي الجنة شجر على خلقته ، له ثمر كقلال هجر ، طيب الطعم والريح ، وصفه تعالى بأنه { مخضود } ، أي مقطوع الشوك ، لا أذى فيه ، وقال أمية بن أبي الصلت :
إن الحدائق في الجنان ظليلة . . . فيها الكواعب سدرها مخضود{[10899]}
وعبر بعض المفسرين عن { مخضود } بأنه الموقر حملاً ، وقال بعضهم : هو قطع الشوك ، وهو الصواب ، أما إن وقره هو كرمه ، وروي عن الضحاك أن بعض الصحابة أعجبهم سدر وجّ{[10900]} فقالوا : ليتنا في الآخرة في مثل هذا ، فنزلت الآية .
قال القاضي أبو محمد : ولأهل تحرير النظر هنا إشارة في أن هذا الخضد بإزاء أعمالهم التي سلموا منها ، إذ أهل اليمين توابون لهم سلام وليسوا بسابقين .
والسدر : شجر من شجر العِضاه ذو ورق عريض مدوَّر وهو صنفان : عُبْرِي بضم العين وسكون الموحدة وياء نسب نسبة إلى العِبر بكسر العين وسكون الموحدة على غير قياس وهو عِبر النهي ، أي ضفته ، له شوك ضعيف في غصونه لا يضير .
والصنف الثاني الضَّالُ ( بضاد ساقطة ولام مخففة ) وهو ذُو شوك . وأجود السدر الذي ينبت على الماء وهو يشبه شجر العُناب ، وورقه كورق العناب وورقه يجعل غسولاً ينظف به ، يخرج مع الماء رغوة كالصابون .
وثمر هذا الصنف هو النبق بفتح النون وكسر الموحدة وقاف يشبه ثمر العناب إلا أنه أصفر مُزّ ( بالزاي ) يفوح الفم ويفوح الثياب ويتفكه به ، وأما الضال وهو السدر البري الذي لا ينبت على الماء فلا يصلح ورقه للغسول وثمره عَفِصٌ لا يسوغ في الحلق ولا ينتفع به ويخبِط الرعاةُ ورقه للراعية ، وأجود ثمر السدر ثمر سدر هَجَر أشد نَبِق حلاوة وأطيبه رائحة .
ولما كان السدر من شجر البادية وكان محبوباً للعرب ولم يكونوا مستطيعين أن يجعلوا منه في جناتهم وحوائطهم لأنه لا يعيش إلا في البادية فلا ينبت في جناتهم خص بالذكر من بين شجر الجنة إغراباً به وبمحاسنه التي كان محروماً منها من لا يسكن البوادي وبوفرة ظله وتهدل أغصانه ونكهة ثمره .
ووصف بالمخضود ، أي المزال شوكه فقد كملت محاسنه بانتفاء ما فيه من أذًى .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.