وجملة { ذوقوا فتنتكم } مقول قول محذوف دل عليه الخطاب ، أي يقال لهم حينئذٍ ، أو مقولاً لهم ذوقوا فتنتكم ، أي عذابكم . والأمر في قوله : { ذوقوا } مستعمل في التنكيل .
والذوق : مستعار للإحساس القوي لأن اللسان أشد الأعضاء إحساساً .
وإضافة فتنة إلى ضمير المخاطبين يومئذ من إضافة المصدر إلى مفعوله . وفي الإضافة دلالة على اختصاصها لهم لأنهم استحقوها بكفرهم ، ويجوز أن تكون الإضافة من إضافة المصدر إلى فاعله . والمعنى : ذوقوا جزاء فتنتكم . قال ابن عباس : أي تكذيبكم . ويقوم من هذا الوجه أن يجعل الكلام موجَّهاً بتذكير المخاطبين في ذلك اليوم ما كانوا يفتنون به المؤمنين من التعذيب مثل ما فتنوا بلالاً وخَبَّاباً وعَماراً وشميسة وغيرهم ، أي هذا جزاء فتنتكم .
وجعل المذوق فتنتهم إظهاراً لكونه جزاء عن فتنتهم المؤمنين ليزدادوا ندامة قال تعالى موعداً إياهم { إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق } [ البروج : 10 ] .
وإطلاق اسم العمل على جزائه وارد في القرآن كثيراً كقوله تعالى : { وتجعلون رزقكم أنكم تُكذّبون } [ الواقعة : 82 ] أي تجعلون جزاء رزق الله إياكم أنكم تُكذّبون وحدانيته .
والإشارة في قوله : { هذا الذي كنتم به تستعجلون } إلى الشيء الحاضر نصب أعينهم ، وهكذا الشأن في مثله تذكير اسم الإشارة كما تقدم في قوله تعالى : { إنها بقرة لا فارض ولا بِكْر عَوَانٌ بين ذلك } في سورة البقرة ( 68 ) .
ومعنى { كنتم به تستعجلون } كنتم تطلبون تعجيله فالسين والتاء للطلب ، أي كنتم في الدنيا تسألون تعجيله وهو طلب يريدون به أن ذلك محال غير واقع . وأقوالهم في هذا كثيرة حكاها القرآن كقوله : { ويقولون متى هذ الوعد إن كنتم صادقين } [ الملك : 25 ] .
والجملة استئناف في مقام التوبيخ وتعديد المجارم ، كما يقال للمجرم : فعلت كذا ، وهي من مقول القول .
تفسير مقاتل بن سليمان 150 هـ :
{ذوقوا فتنتكم} يعني عذابكم {هذا} العذاب {الذي كنتم به تستعجلون} في الدنيا استهزاء به وتكذيبا بأنه غير نازل بنا، لقولهم في الدنيا للنبي صلى الله عليه وسلم: متى هذا الوعد الذي تعدنا به؟...
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يعني تعالى ذكره بقوله:"ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ "يقال لهم: ذوقوا فتنتكم وترك يقال لهم لدلالة الكلام عليها.
ويعني بقوله: "فِتْنَتَكُمْ": عذابكم وحريقكم. واختلف أهل التأويل في ذلك؛
وقال آخرون: عنى بذلك: ذوقوا تعذيبكم أو كذبكم... وقوله: "هَذَا الّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ" يقول تعالى ذكره: يقال لهم: هذا العذاب الذي تُوفّوْنَهُ اليوم، هو العذاب الذي كنتم به تستعجلون في الدنيا.
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{ذوقوا فِتنتَكم} أي ذوقوا العذاب الذي فيه الشدة... {هذا الذي به كنتم تستعجلون} أي تستعجلون في الدنيا، وتزعُمون أنه لا يكون في الآخرة...
تيسير الكريم المنان في تفسير القرآن لابن سعدي 1376 هـ :
{ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} أي: العذاب والنار، الذي هو أثر ما افتتنوا به، من الابتلاء الذي صيرهم إلى الكفر، والضلال، {هَذَا} العذاب، الذي وصلتم إليه، [هو] {الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ} فالآن، تمتعوا بأنواع العقاب والنكال والسلاسل والأغلال، والسخط والوبال...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
والذوق: مستعار للإحساس القوي لأن اللسان أشد الأعضاء إحساساً...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وعندئذ يقال لهم هنالك: (ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون). والفتنة في الأصل اختبار الذهب في موقد النار ليمتاز الخالص من غيره، ومن هنا فقد استعملت «الفتنة» على أيّ نوع كان من أنواع الامتحان أو الاختبار، كما استعملت على دخول الإنسان النار، كما تستعمل في البلاء والعذاب وعدم الراحة كما تشير إليه الآية محل البحث هنا...
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.