{ 18 - 27 } { كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ * يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ * إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ * تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ * يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ * خِتَامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ * وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ }
لما ذكر أن كتاب الفجار في أسفل الأمكنة وأضيقها ، ذكر أن كتاب الأبرار في أعلاها وأوسعها ، وأفسحها وأن كتابهم المرقوم { يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ } من الملائكة الكرام ، وأرواح الأنبياء ، والصديقين والشهداء ، وينوه الله بذكرهم في الملأ الأعلى ، و { عليون } اسم لأعلى الجنة ،
ثم يعرض الصفحة الأخرى . صفحة الأبرار . على العهد بطريقة القرآن في عرض الصفحتين متقابلتين في الغالب ، لتتم المقابلة بين حقيقتين وحالين ونهايتين :
( كلا ! إن كتاب الأبرار لفي عليين . وما أدراك ما عليون ? كتاب مرقوم ، يشهده المقربون . إن الأبرار لفي نعيم ، على الأرائك ينظرون ، تعرف في وجوههم نضرة النعيم ، يسقون من رحيق مختوم ، ختامه مسك . وفي ذلك فليتنافس المتنافسون . ومزاجه من تسنيم . عينا يشرب بها المقربون ) . .
وكلمة( كلا )تجيء في صدر هذا المقطع زجرا عما ذكر قبله من التكذيب في قوله : ( ثم يقال : هذا الذي كنتم به تكذبون ) . . ويعقب عليه بقوله : ( كلا )ثم يبدأ الحديث عن الأبرار في حزم وفي توكيد .
فإذا كان كتاب الفجار في( سجين )فإن كتاب الأبرار في( عليين ) . . . والأبرار هم الطائعون الفاعلون كل خير . وهم يقابلون الفجار العصاة المتجاوزين لكل حد . .
ولفظ( عليين )يوحي بالعلو والارتفاع مما قد يؤخذ منه أن( سجين )يفيد الانحطاط والسفول .
ردع وإبطال لما تضمنه ما يقال لهم : { هذا الذي كنتم به تكذبون } [ المطففين : 17 ] فيجوز أن تكون كلمة { كلا } مما قيل لهم مع جملة { هذا الذي كنتم به تكذبون } ردعاً لهم فهي من المحكى بالقول .
ويجوز أن تكون معترضة من كلام الله في القرآن إبطالاً لتكذيبهم المذكور .
{ إِنَّ كتاب الأبرار لَفِى عِلِّيِّينَ } .
يظهر أن هذه الآيات المنتهية بقوله : { يشهده المقربون } من الحكاية وليست من الكلام المحكي بقوله : { ثم يقال } الخ ، فإن هذه الجملة بحذافرها تشبه جملة : { إن كتاب الفجار لفي سجين } [ المطففين : 7 ] الخ أسلوباً ومقابلةً . فالوجه أن يكون مضمونها قسيماً لمضمون شبيهها فتحصلُ مقابلة وعيد الفجار بوعد الأبرار ومن عادة القرآن تعقيب الإنذار بالتبشير والعكس لأن الناس راهب وراغب فالتعرضُ لنعيم الأبرار إدماج اقتضته المناسبة وإن كان المقام من أول السورة مقام إنذار .
ويكون المتكلم بالوعد والوعيد واحداً وجَّه كلامه للفجار الذين لا يظنون أنهم مبعوثون ، وأعقبه بتوجيه كلام للأبرار الذين هم بضد ذلك ، فتكون هذه الآيات معترضة متصلة بحرف الردع على أوضح الوجهين المتقدمين فيه .
ويجوز أن تكون من المحكي بالقول في : { ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون } [ المطففين : 17 ] فتكون محكية بالقول المذكور متصلة بالجملة التي قبلها وبحرف الإبطال على أن يكون القائلون لهم : { هذا الذي كنتم به تكذبون } على وجه التوبيخ ، أعقبوا توبيخهم بوصف نعيم المؤمنين بالبعث تنديماً للذين أنكروه وتحسيراً لهم على ما أفاتوه من الخير .
و { الأبرار } : جمع بر بفتح الباء ، وهو الذي يعمل البِر ، وتقدم في السورة التي قبل هذه .
والقول في الكتاب ومظروفيته في عِلِّيين ، كالقول في { إن كتاب الفجار لفي سجين } [ المطففين : 7 ] .
مشروع تقني يهدف لتوفير قالب تقني أنيق وحديث يليق بالمحتوى الثري لمشروع الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم الصادر عن مؤسسة البحوث والدراسات العلمية (مبدع)، وقد تم التركيز على توفير تصفح سلس وسهل للمحتوى ومتوافق تماما مع أجهزة الجوال، كما تم عمل بعض المميزات الفريدة كميزة التلوين التلقائي للنصوص والتي تم بناء خوارزمية برمجية مخصصة لهذا الغرض.
تم الحصول على المحتوى من برنامج الجامع التاريخي لتفسير القرآن الكريم.
المشروع لا يتبع أي جهة رسمية أو غير رسمية، إنما هي جهود فردية ومبادرات شخصية لبعض الخبراء في مجال البرمجيات.
المشروع لازال في بداياته وننوي إن شاء الله العمل على تطويره بشكل مستمر وسنضع خطة تطوير توضح المميزات التي يجري العمل عليها إن شاء الله.
الدعاء للقائمين عليه، نشر الموقع والتعريف به، إرسال الملاحظات والمقترحات.