تعليل آخر لإنزال الكتاب على عبده ، جعل تالياً لقوله : { لينذر بأساً شديداً من لدنه } [ الكهف : 2 ] باعتبار أن المراد هنا إنذار مخصوص مقابل لما بَشر به المؤمنين . وهذا إنذار بجزاء خالدين فيه وهو عذاب الآخرة ، فإن جَرَيْتَ على تخصيص البأس في قوله : { بأساً شديداً } [ الكهف : 2 ] بعذاب الدنيا كما تقدم كان هذا الإنذار مغايراً لما قبله ؛ وإن جريت على شمول البأس للعذابين كانت إعادة فعل { ينذر } تأكيدا ، فكان عطفه باعتبار أن لمفعوله صفة زائدة على معنى مفعول فِعل { ينذر } السابق يُعرف بها الفريق المنذرون بكلا الإنذارين ، وهو يُومىء إلى المنذرَين المحذوف في قوله : { لينذر بأساً شديداً } [ الكهف : 2 ] ويغني عن ذكره . وهذه العلة أثارتها مناسبه ذكر التبشير قبلها ، وقد حذف هنا المنذر به اعتماداً على مقابِلِه المبشر به .
والمراد ب{ الذين قالوا اتخذ الله ولداً } هنا المشركون الذين زعموا أن الملائكة بنات الله ، وليس المراد به النصارى الذين قالوا بأن عيسى ابن الله تعالى ، لأن القرآن المكي ما تعرض للرد على أهل الكتاب مع تأهلهم للدخول في العموم لاتحاد السبب .
والتعبير عنهم بالموصول وصلته لأنهم قد عُرفوا بهذه المقالة بين أقوامهم وبين المسلمين تشنيعاً عليهم بهذه المقالة ، وإيماء إلى أنهم استحقوا ما أنذروا به لأجلها ولغيرها ، فمضمون الصلة من موجبات ما أنذروا به لأن العلل تتعدد .
والولد : اسم لمن يولد من ذكر أو أنثى ، يستوي فيه الواحد والجمع . وتقدم في قوله : { قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه } في سورة يونس ( 68 ) .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
يقول تعالى ذكره: ويحذر أيضا محمد القوم الّذِين "قالُوا اتّخَذَ اللّهُ وَلَدا "من مشركي قومه وغيرهم، بأسَ الله وعاجلَ نقمته، وآجل عذابه، على قيلهم ذلك...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
{وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} {ما لهم من علم} هذا يحتمل وجهين: أحدهما: أي يعلمون أنه لم يتخذ ولدا، ولكن يقولون ذلك على العلم منهم كذبا وزورا كقوله: {وتدعونني إلى النار} {تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم} {غافر: 41 و42) أي أشرك به ما أعلم منه أنه ليس هو بشريك له، وكقوله: {قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات} (يونس: 18) أي أتنبئون الله بما يعلم أنه ليس على ما يقولون.
والثاني: يحتمل قوله: {ما لهم به من علم} أي عن جهلهم يقولون من الولد والشريك لا عن علم، تقليدا لآبائهم، لأنهم ليسوا بأهل كتاب يعرفون به، ولا كانوا يؤمنون بالرسل وأسباب العلم وهذين الكتاب والرسل، فما قالوا إنما قالوا عن جهل لا عن علم، وكذلك آباؤهم. فإن كان على هذا ففيه دلالة أن من قال شيئا عن جهل فإنه مؤاخذ به حين قال: {وينذر الذين قالوا} الآية.
{كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي كبرت وعظمت تلك الكلمة التي قالوها على من عرف الله حق المعرفة حتى كادت السماوات والأرض تنشق لعظم ما قالوا في الله كقوله: {تكاد السماوات يتفطرن منه} الآية (مريم: 90).
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز لابن عطية 542 هـ :
{وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا...}، أهل هذه المقالة هم بعض اليهود في عزير، والنصارى في المسيح، وبعض العرب في الملائكة...
اعلم أن قوله تعالى: {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} معطوف على قوله: {لينذر بأسا شديدا من لدنه} والمعطوف يجب كونه مغايرا للمعطوف عليه؛ فالأول عام في حق كل من استحق العذاب، والثاني خاص بمن أثبت لله ولدا، وعادة القرآن جارية بأنه إذا ذكر قضية كلية عطف عليها بعض جزئياتها تنبيها على كونه أعظم جزئيات ذلك الكلي... فكذا ههنا العطف يدل على أن أقبح أنواع الكفر والمعصية إثبات الولد لله تعالى...
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي 685 هـ :
خصهم بالذكر وكرر الإنذار متعلقا بهم استعظاما لكفرهم، وإنما لم يذكر المنذر به استغناء بتقدم ذكره.
إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ :
{وَيُنْذِرَ الذين قَالُواْ اتخذ الله وَلَدًا}.. وإيثارُ صيغةِ الماضي في الصلة للدِلالة على تحقق صدورِ تلك الكلمةِ القبيحة عنهم فيما سبق...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
تعليل آخر لإنزال الكتاب على عبده، جعل تالياً لقوله: {لينذر بأساً شديداً من لدنه} [الكهف: 2] باعتبار أن المراد هنا إنذار مخصوص مقابل لما بَشر به المؤمنين. وهذا إنذار بجزاء خالدين فيه وهو عذاب الآخرة، فإن جَرَيْتَ على تخصيص البأس في قوله: {بأساً شديداً} [الكهف: 2] بعذاب الدنيا كما تقدم، كان هذا الإنذار مغايراً لما قبله؛ وإن جريت على شمول البأس للعذابين كانت إعادة فعل {ينذر} تأكيدا، فكان عطفه باعتبار أن لمفعوله صفة زائدة على معنى مفعول فِعل {ينذر} السابق يُعرف بها الفريق المنذرون بكلا الإنذارين، وهو يُومئ إلى المنذرَين المحذوف في قوله: {لينذر بأساً شديداً} [الكهف: 2] ويغني عن ذكره. وهذه العلة أثارتها مناسبه ذكر التبشير قبلها، وقد حذف هنا المنذر به اعتماداً على مقابِلِه المبشر به.
والمراد ب {الذين قالوا اتخذ الله ولداً} هنا المشركون الذين زعموا أن الملائكة بنات الله، وليس المراد به النصارى الذين قالوا بأن عيسى ابن الله تعالى، لأن القرآن المكي ما تعرض للرد على أهل الكتاب مع تأهلهم للدخول في العموم لاتحاد السبب.
والتعبير عنهم بالموصول وصلته لأنهم قد عُرفوا بهذه المقالة بين أقوامهم وبين المسلمين تشنيعاً عليهم بهذه المقالة، وإيماء إلى أنهم استحقوا ما أنذروا به لأجلها ولغيرها، فمضمون الصلة من موجبات ما أنذروا به لأن العلل تتعدد.
والولد: اسم لمن يولد من ذكر أو أنثى، يستوي فيه الواحد والجمع. وتقدم في قوله: {قالوا اتخذ الله ولداً سبحانه} في سورة يونس (68).
زهرة التفاسير - محمد أبو زهرة 1394 هـ :
وقالوا: {اتخذ الله ولدا}، لأنهم لم يفهموا ذات الله، ولا خواص الألوهية، وأنها منافية للحوادث منافاة تامة، وعبر سبحانه بقوله: {قالوا}، ولم يقل اعتقدوا، لأنهم لا يؤمنون ومن اتبع الأوهام لا يؤمن بشيء، ولا يعتقد اعتقادا جازما، لأن الأوهام تساوره فتزلزل اعتقاده بل هو في ريب دائم مستمر، وعبارة اتخذ الله ولدا، فهم نسبوا الاتخاذ لله، وهي فرية على الله تعالى وتدل على عدم كماله سبحانه، لأن اتخاذ الولدان يترتب عليه أمران باطلان لا يليقان بذات الله: الأمر الأول – مشابهته للحوادث، وأن يكون لله سبحانه نظير مثله، لأن الولد مثيل أبيه، فكيف يكون لله تعالى شبيه ومثيل. الأمر الثاني – أنه ينبئ عن احتياج الله للولد لنصرته، والله تعالى غني حميد لا يحتاج لشيء ويحتاج إليه كل شيء سبحانه تعالى عما يقولون علوا كبيرا...