يقول تعالى ذكره : ما بهؤلاء القوم الذين يكذّبون بوعيد الله ، أنهم لم يأتهم أنباء من قبلهم من الأمم المكذّبة رسل الله ، كفرعون وقومه ، وثمود وأشكالهم ، وما أحلّ الله بهم من النقم ، بتكذيبهم الرسل ، ولكنهم في تكذيب بوحي الله وتنزيله ، إيثارا منهم لأهوائهم ، واتّباعا منهم لسنن آبائهم وَاللّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ بأعمالهم ، مُحْصٍ لها ، لا يخفى عليه منها شيء ، وهو مجازيهم على جميعها .
وجملة : { والله من ورائهم محيط } عطف على جملة : { الذين كفروا في تكذيب } ، أي هم متمكنون من التكذيب والله يسلط عليهم عقاباً لا يفلتون منه . فقوله : { والله من ورائهم محيط } تمثيل لحال انتظار العذاب إياهم وهم في غفلة عنه بحال من أحاط به العدوّ من ورائه وهو لا يعلم حتى إذا رام الفرار والإِفلات وجد العدوّ محيطاً به ، وليس المراد هنا إحاطة علمه تعالى بتكذيبهم إذ ليس له كبير جَدوى .
وقد قُوبل جزاء إحاطة التكذيب بهم بإحاطة العذاب بهم جزاء وفاقاً فقوله : { والله من ورائهم محيط } خبر مستعمل في الوعيد والتهديد .
جامع البيان عن تأويل آي القرآن للطبري 310 هـ :
"وَاللّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ" بأعمالهم، مُحْصٍ لها، لا يخفى عليه منها شيء، وهو مجازيهم على جميعها...
تأويلات أهل السنة للماتريدي 333 هـ :
أي من وراء تكذيبهم محيط بما ينزل بهم من العذاب، ليس يوعدهم عن غفلة وخيال كما يفعله ملوك الدنيا، قد يوعدون بالعذاب، ولا يدرون أنهم يتمكنون من ذلك أم لا. والله ينزل عليهم عذابه كما أوعد. أو يكون قوله: {والله من ورائهم محيط} أي عالم بما يسرون، ويخفون عن الخلق، لا يعزب عنه شيء...
التبيان في تفسير القرآن للطوسي 460 هـ :
أي هم مقدور عليهم كما يكون فيما أحاط الله بهم، وهذا من بلاغة القرآن...
الوجيز في تفسير الكتاب العزيز للواحدي 468 هـ :
قدرته مشتملة عليهم فلا يعجزه منهم أحد...
معالم التنزيل في تفسير القرآن الكريم للبغوي 516 هـ :
عالم بهم لا يخفى عليه شيء من أعمالهم، يقدر أن ينزل بهم ما أنزل بمن كان قبلهم...
الكشاف عن حقائق التنزيل للزمخشري 538 هـ :
والله عالم بأحوالهم وقادر عليهم وهم لا يعجزونه. والإحاطة بهم من ورائهم: مثل لأنهم لا يفوتونه، كما لا يفوت فائت الشيء المحيط به. ومعنى الإضراب: أن أمرهم أعجب من أمر أولئك؛ لأنهم سمعوا بقصصهم وبما جرى عليهم، ورأوا آثار هلاكهم ولم يعتبروا، وكذبوا أشد من تكذيبهم...
ولما طيب قلب الرسول عليه السلام بحكاية أحوال الأولين في هذا الباب سلاه بعد ذلك من وجه آخر وهو قوله: {والله من ورائهم محيط} وفيه وجوه؛
(أحدها): أن المراد وصف اقتداره عليهم وأنهم في قبضته وحوزته، كالمحاط إذا أحيط به من ورائه فسد عليه مسلكه، فلا يجد مهربا يقول تعالى: فهو كذا في قبضتي وأنا قادر على إهلاكهم ومعاجلتهم بالعذاب على تكذيبهم إياك فلا تجزع من تكذيبهم إياك، فليسوا يفوتونني إذا أردت الانتقام منهم.
(وثانيها): أن يكون المراد من هذه الإحاطة قرب هلاكهم كقوله تعالى: {وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها} وقوله: {وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس} وقوله: {وظنوا أنهم أحيط بهم} فهذا كله عبارة عن مشارفة الهلاك، يقول: فهؤلاء في تكذيبك قد شارفوا الهلاك.
(وثالثها): أن يكون المراد والله محيط بأعمالهم، أي عالم بها...
التسهيل لعلوم التنزيل، لابن جزي 741 هـ :
تهديد لهم معناه: لا يفوتونه، بل يصيبهم عذابه إذا شاء...
نظم الدرر في تناسب الآيات و السور للبقاعي 885 هـ :
{والله} أي والحال أن الملك الذي اختص بالجلال والإكرام {من ورائهم} أي من كل جهة يوارونها أو تواريهم، وذلك كل جهة {محيط} فهو محيط- بهم من كل جهة بعلمه وقدرته، فهو كناية عن أنهم في قبضته لا يفوتونه بوجه كما أنه لا يفوت من صار في القبضة بإحاطة العدو به من غير مانع، فهو سبحانه قادر على أن يحل بهم ما أحل بأولئك، ولعله خص الوراء لأن الإنسان يحمي ما وراءه ولأنه جهة الفرار من المصائب...
التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ :
وجملة: {والله من ورائهم محيط} عطف على جملة: {الذين كفروا في تكذيب}، أي هم متمكنون من التكذيب والله يسلط عليهم عقاباً لا يفلتون منه. فقوله: {والله من ورائهم محيط} تمثيل لحال انتظار العذاب إياهم وهم في غفلة عنه بحال من أحاط به العدوّ من ورائه وهو لا يعلم حتى إذا رام الفرار والإِفلات وجد العدوّ محيطاً به، وليس المراد هنا إحاطة علمه تعالى بتكذيبهم إذ ليس له كبير جَدوى. وقد قُوبل جزاء إحاطة التكذيب بهم بإحاطة العذاب بهم جزاء وفاقاً فقوله: {والله من ورائهم محيط} خبر مستعمل في الوعيد والتهديد...
الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل - لجنة تأليف بإشراف الشيرازي 2009 هـ :
وعليهم أن يعلموا بقدرة اللّه: (واللّه من ورائهم محيط). فلا يدل الإمهال على الضعف أو العجز، ولا يعني عدم تعجيل إنزال العقوبة الإلهية بأنّهم قد خرجوا عن قدرته جلّ شأنه. وما مجيء (من ورائهم) إلاّ للتعبير عن كونهم في قبضة القدرة الإلهية من جميع الجهات، وهو محيط بهم، وليس لهم من مخلص عن العذاب بحكم العدل الإلهي. وثمّة من يذهب بإرادة الإحاطة العلميّة في الآية، أي.. إنّ اللّه تعالى محيط بأعمالهم من كلّ جهة، فلا يغيب عنه سبحانه أي قول أو عمل أو نيّة...